ابحث عن

صورة التعايشي وعائشه منارة انسانيه تفيض بالنور

ابوذر مسعود
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قبل ثلاثين عاما من التقاط هذه الصورة
كان الزمان لسه راضي والناس ظروفها مقدره
كان التلميذان محمد حسن التعايشي وعائشة محمد موسي يقبعان تحت قاع رحيم يتدارسون فك الحرف وتعلم قصار الصور في مدرسة رهيد البردي الابتدائية المختلطه في اقصي جنوب غربي البلاد جاء التعايشي من حي شم النسيم بردائه البني وقمصيه الابيض الدموري يضع اولي خطواته علي عتبات الامل المكمُونة وروح البراءة الطفُولية 
بالمقابل جاءت التلميذة عائشه تتبضع بين جنحيها وعد المستقبل بقلبها الناصع البياض وفستانها الاخضر وجدائلها المسدله بنُورها المُشع من وجهِهُا البريئ الملائكي ..
سادت روح الزمالة وترسخت الافكار الحالمه التي تشيع بالطاقة الإيجابية في بيئة العلم والامل ومرات الايام السنوات افتراقا الانداد
لم يجول بخلدهما ان الايام حبلي بالفرح الجميل وان عذابات الغربة والترحال مهما طال ليلها ستحمل خبرا سعيد يفيض بالحق والخير والجمال .
غادر التلميذ التعايشي مرتع صباه رهيد البردي الي برام طالبا بمدرسها الثانويه مرورا بنيالا الي الخرطوم مقبولأ بكليه غردون مسجل اسمه في دفتر الحضور ثم رئيسا لطلابها فيما بعد في اشهر عمليه انتخابيه حقيقه شهدها تاريخ السودان الحديث
قال كلمته ومضى في عز هاجرة الحكومة السابقة عبر مثل طيف ؛ وإنقبض كظل في سكون شريف ؛
طار الي عاصمة الضباب التي يموت حيتانها من البرد وانطبق عليه قول ازهري محمد علي
(يوم استفزت قدرتك
قيمة المسافات
عرفت إنك قليل حيله وفصيح
ستفت عمرك فى حقايب الرجعه
للسفر القديم)
ما ان تبدلت الايام وهبت ريح الثورة المظفرة وعلت الاصوات المشرئبة الي الانعتاق تشق عنان السماء (حريه سلام وعدالة والثورة خيار الشعب) من كل حدب وصوب من بيوت الجالوص وغابات الاسمنت في طقسآ استوائي شديد الحرارة ارقت مضاجع الفتي الثائر فهب الحبيب من مرقده الناعم الوثير ليحمل هم الوطن حين كان الوطن يغلي كالمرجل واللاندكروزات في شوراع الخرطوم تزأر في وحشيتها وعلي ظهورها يلقون الشابات والشباب الغض كزكائب البضاعه والبوت الذي يركل الوجوه والسياط التي تقتلع اللحم من الظهور والصفعات والبصق والكثير الي ان انجلت الخطوب وسقطت قوة البشير الفاسدة وعاد الحبيب المستطاب الي حضن الوطن محمولا بكلتا جناحي الشموخ والعزة والسؤددة الي مباني قصر غردون المنيف امين علي ملف السلام والمصالحه ليطير بما اوتمن علي اصقاع المدن البعيده بحثأ عن بريق امل
ليحط به طائره وتصاريف القدر هذه المره في (كركر ) اخر نقطة علي خارطة جغرافية الوطن في الحدود مع افريقيا الوسطى .
لتمنحنا قصه هذه الصورة التي تموج بالبساطة والرمز الظاهر لعمق الفكرة بين التعايشي عضو المجلس السيادي والزميله عائشه موسي بائعه الشاي في اعمق تجليات تصاريف القدر .
والأهم من ذلك أن هذا هو المعني الذي تدور حوله شخصية التعايشي الإنسانية, فالتعايشي الإنسان هو تجسيد لهذا المعني الجميل الذي يعبر عنه في قلبه الكبير وحبه للناس ومعني الحياة القائم علي المحبة والصداقة فإنه أيضا عاشق للسودان بلده الأصلي الذي ولد فيه, وهو عاشق لأهله الذين عاشوا في البيئات السودانية الشعبية, ولم يكن لهم حياة خارج هذه البيئة, وفي بيئة السودان الشعبية هذه تعلم التعايشي كثيرا من الحكمة الفطرية ومباديء الأخلاق الصادقة التي لاتعقيد فيها ولاتكلف, وفي هذه البيئة نفسها استمع التعايشي إلي (الجمل راقد) والسنجك والموسيقي الشعبية, وحفظ عن ظهر قلب مئات الأبيات الشعرية العامية السودانية من لدن الاندرين وعلي الرهيد , ووجد فيهما برغم بساطة مظهرهما عمقا إنسانيا وصورا فنية بديعة وأصيلة, ولذلك فقد أحبهما. فالتعايشي ليس سوي سوداني قح شعبي أقرب إلي أهل التصوف الرفيع الذي يرتفع عن صراعات الدنيا, ويلتفت إلي نداءات قوية وخفية في داخله تدعوه إلي حب أهله والاقتراب منهم والشعور الغامر بالحنان نحوهم ـ لم تغيره الافنديه وبريق السلطة شيئا من أصالته, ولم تقتلع منه جذوره الشعبية الإنسانية التي تربط بينه وبين اهله برباط روحي وثيق.
المحبة كلمةطيبه جامعة,وللتعايشي نوع اخر من المحبه .
أحب الأرض والناس عن معرفة أكيدة بحالهم وأحوالهم, فكانت له المحبة في القلوب لاتفصله زحمه الحياة ولا ضوضاء المدن عن بيته وقريته وأهله, وهو الذي يجمع في شخصيته أرقي معاني الحضارة وأحدثها وأكثرها عصرية مع أبسط معاني الحياة وأصدقها يمثل في حياته وسلوكه وتعامله مع الناس شخصية نادرة وباهرة, وهو نموذج مثالي للابن البلد البار الذي جمع بين النبوغ الاكاديمي والنبوغ الإنساني, فهذا الجانب الإنساني عند التعايشي بالغ الروعة, وهو جانب يقدم لنا مثلا أعلي للإنسان صاحب القلب العامر بالعواطف الكريمة الصادقة والثابتة, ومثل هذه الشخصية الإنسانية هي الآن بالتحديد
قيمة عالية جدا, خاصة في هذا العصر الذي يشكو فيه الكثيرون من جفاف العواطف وانصراف الناس إلي المنافع والمصالح, وانقطاع العلاقات الإنسانية الحميمة بين الأفراد, حيث يبدو كل فرد مشغولا بهمومه الخاصة التي تفصل بينه وبين الآخرين بجدار سميك. في هذا العصر يبدو التعايشي منارة إنسانية تفيض بالنور الذي يهدي السائرين.
هل مازالت الدنيا تتسع لمثل هؤلاء الفضلاء من الناس؟
الذين لديهم قدرة عجيبة علي أن يغلق أبواب دماغه إن لم يعجبه الحديث أو رأي فيه سخفا, فتراه ينظر إليك ولا يراك, ويستمع إليك ولا يسمعك لايعادي ولا يحاسب ولا يلوم, , لا ينافق ولا يحابي. قنوع لدرجة إهمال حقوقه. كل شيء لدي التعايشي سوداني ملفوف بالحشمة والتقشف ونكران الذات..

اشتهاء ..مايو 2020م
الضعين

Pin It

المبدأ لا يتجزأ يا مجلسي السيادي والوزراء؛ الإتساق اولاً وأخيراً.

كاتب/ ومدافع حقوقي/ ابوهريرة عبدالرحمن

قال أبو الأسود الدؤلي" لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتي مثله ...عارٌ عليك إذا فعلت عظيم"

في الوقت الذي حصد فيه فيروس كورونا ( كوفيد 19) أرواح 185 من السودانيين. وأصاب 4،146 شخص حتى تاريخ 25 مايو 2020، ودُخول الفيروس مرحلة الانتشار المجتمعي (المتوالية الهندسية) وهذه الأرقام المؤكدة أعلاه فقط من جملة الذين خضعوا للفحص. وأن البلاد تمتلك فقط ثلاثة معامل متخصصة في فحص فيروس كورونا بكل من الخرطوم وبورتسودان وود مدني! وأن وزارة الصحة بذلت جهداً تَنُوءُ عن حمله الجبال بالتضامن مع اللجنة العليا لطوارئ كورونا ومجلسي الوزارة والسيادة، وهم يصدرون الإرشادات والأوامر الصحية يومياً ليل نهار بل لم يكفيهم ذلك لمعرفتهم بخطورة الجائحة فأقدموا على إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد والتي قضت بإغلاق المجال الجوي و البري والمائي كلياً مع الإغلاق التام بين الولايات وحظر حركة وأنشطة المواطنين (عدم الخروج من المنازل، تجنب الزيارات والتجمعات خلال فترة العيد، حظر الصلوات الجماعية، حظر العمل والتقيد بالإجراءات الاحترازية مثل لبس الكمامات وغسل اليدين الصابون وعدم المصافحة . ..الخ) رغم الضنك والحالة الاقتصادية المعلومة مع تقديم معونات غير كافية للشرائح الضعيفة حفظاً للانفس! مراهنين في ذلك على وعي الجماهير ! ولم يكفيهم ذاك.
ف استخدموا الإجراءات القانونية في مواجهة وملاحقة المخالفين مرات بالغرامة المالية وتارة بالجلد كما حدث في نيالا، بل وصل الأمر إلى إطلاق الرصاص الحي في مواجهة المخالفين والشاهد في هذا حادثة - ابو حمامة بالخرطوم وهي ليس ببعيدة وتصريحات الناطق العسكري لا يزال صداها يتردد حول حادثة القتل.
بالله عليكم ورغم ما ذكر أخبروني كيف ومن سمح لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء بزيارة الولايات المختلفة للمواساة دون التقيد بشروط التباعد الاجتماعي كما أظهرته الصور؟ التباعد الذي يقضي بمنع التجمعات والمصافحة ..الخ؟ وهل هذا هو الوقت والزمان المناسبين لهذه الزيارات؟ كيف سمحوا لأنفسهم بهذه الزيارات رغم حثهم ومنع الآخرين عنها؟ أين الاتساق عند المسؤولين بين القول والممارسة؟ وهل هذه هي الرسائل المنتظرة التي يقدمها مسئولي الدولة للجماهير في ذروة إنتشار فيروس كورونا؟ على يعد هذا تجاهل للتوجيهات الصادرة من وزارة الصحة واللجنة العليا لطوارئ كورونا من قبل المسئولين أنفسهم؟

بأي حال لسنا ضد التضامن والتراحم الاجتماعي فهما صفات سودانية أصيلة ونبيلة ولهما وقع عظيم في الأنفس ومع هذا اتساق المسئولين هو الذي يقاس به التزام المواطنين.

في بريطانيا سافر كبير مستشاري رئيس الوزراء بورس جونيسن من لندن إلى مدينة دوم لزيارة أسرته، حالياً يواجه حملة شرسة ومطالبه بالاستقالة لأنه خرق القوانين التي سنها بيديه مع آخرين وهي سيادة حكم القانون في المجتمعات المدنية الديمقراطية، ولكن ما يفعله هؤلاء يمثل رسالة سالبة جدا لجهود وزارة الصحة عندنا المسؤولين كل يوم مسافرين دون حتى يرف لهم جفن من قوة العين!!

ما يدهش ويعقد اللسان أن البرهان يقضي عطلة العيد في منطقته وهذا يوضح أن رأس الدولة غير ملتزم بإجراءات الطوارئ الصحية وهو أمر مثير حقاً!

نذكركم لو تنفع الذكرى قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف - قرآن كريم.

وقوله تعالي { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } سورة البقرة - قران كريم.

وورد في الكتاب المقدس "زِينَةُ الإِنْسَانِ مَعْرُوفَهُ، وَالْفَقِيرُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذُوبِ" (سفر الأمثال 19: 22) . الإنجيل.

وبعد كل هذا هل أننا نراهن على أتساق سلوك المسؤولين قولاً وعمل؟ أم على وعي الشعب؟ أم على حنية الفيروس علينا يا ترى!

 

Pin It

عبد الله رزق يكتب عن فض الاعتصام

 

حالة التصدع التي أصابت جبهة قوى ثورة ديسمبر، و مكوناتها، والتي عبرت عن نفسها، في انقسامات افقية وراسية في الجبهة الثورية، وفي التجمع المهني، وتجميد حزب الأمة نشاطه في تحالف قوى الحرية والتغيير، والسعي لبناء تحالف بديل، ووقوف نداء السودان بالضد من موقف حزب الأمة... الخ، هذا الصدع لم يوفر المكون العسكري للسلطة الانتقالية، الذي كان يبدو متماسكا مقابل نظيره المدني داخل المجلس السيادي. فعلي عتبة الذكرى الأولى لمجزرة ٢٩ رمضان، ومع اقتراب صدور تقرير لجنة نبيل أديب المكلف من قبل النائب العام بالتحقيق في تلك الجريمة البشعة، بدأ ان الشراكة بين المكون ين، المدني والعسكري، على الأقل، تمتحن، فيما يخص تحقيق العدالة لضحايا المجزرة، في وقت تشير فيه أصابع الاتهام للمكون العسكري، الذي كان جزء من المجلس العسكري الانتقالي، الذي يتهم، أيضا، بأنه هو الذي خطط وأشرف على تنفيذ المجزرة. ويبدو أن إستمرار الشراكة المقررة، بموجب مواثيق الثورة المتفق عليها، يرتهن، الان، بانفاذ، احد أهداف الثورة وشعاراتها، وهو العدالة. وعلى هذا هذا الموقف من العدالة ومقتضياتها تحققها الفعلي، ومن ثم من الشراكة، يعتمل الحراك الحالي، والذي يتخذ شكل تصدعات وانقسامات، وما قد يترتب على ذلك من فرز واستقطاب، واصطفاف جديد للقوى. وفي وقت ينشط زعيم حزب الأمة، السيد الصادق المهدي، في تاسيس حلف سياسي بقيادته، يتسع للاسلاميين، بشكل خاص، بجانب الجبهة الثورية، وكعامل نشط من عوامل شق الصف، كما وصفه الجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي،فإن قوى الحرية والتغيير، تجد نفسها، مطالبة، اكثر من اي وقت مضى، لتمتين وحدتها، والتخلي عن معاركها وصراعاتها الثانوية، ودعم حكومة د. عبدالله حمدوك، في إطار المحافظة على الشراكة مع المكون العسكري وتعزيزها، كاداة لإنجاز أهداف الفترة الانتقالية. غير ان هذه الشراكة، وفي ضوء التحدي الذي تواجهه، يتعين إعادة تعريفها، باعتبارها، حلفا سياسيا مع المؤسسة العسكرية، وليست توافقا شخصيا مع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي،حتي لايشكل الالتباس بشأن الشراكة حائلا دون انفاذ العدالة أو تعطيلها.فتوجيه الاتهام، رسميا، وفق تقرير لجنة التحقيق، لأي من أعضاء المكون العسكري للمجلس السيادي، يجب أن يتبعه إستقالة العضو أو الأعضاء المتهمين، وافساح المجال أمام القوات المسلحة لانتخاب من يمثلونها، في المجلس السيادي، بديلا للمستقيلين.ويبدو ان مساءلة جريمة مجزرة القيادة، تمثل منعطفا حاسما في مسيرة الثورة، وفي مصإئر الحكم الانتقالي، وإذا ماكان سنتهي بالمدنية الكاملة والديموقرطية. وفي هذا الإطار، يمكن النظر الى العديد من التحركات والأنشطة التي تنخرط فيها العديد من القوى، كمحاولة ل"تبييض" هذا الطرف أو ذاك، من الأطراف التي تلاحقها الاتهامات المتصلة بجريمة فض الاعتصام. محاكمة المسؤولين عن مجزرة القيادة، وقد آن اخوانها، بعد مضى عام من وقوع الجريمة، تشكل عامل ضغط ثقيل على الحكومة، التي لاتني تبحث عن انجاز وسط ركام من تخريب ثلاثة عقود. وليس أمامها سوي المضي قدما في هذه المحاكمة، التي يمكن أن توصف بالتاريخية، والتي قد تقتضي إعادة ترتيب في الاوضاع كافة، وربما تحالفات جديدة، لعبور المرحلة، إلى أخرى متقدمة، وعلى قاعدة التخلص من كل الأطراف ذات الصلة بالمجزرة. وقد بدأ الجنرال حميدتي، ضمن مسعى متطاول ومزمن، لتبرئة قواته من وزر جريمة القيادة، بابتدار مايمكن تسميته بالفرز، على مستوى المكون العسكري، مؤكدا ماظل يردده من اتهامات بشإن استهداف قوات الدعم السريع، بما في ذلك توريطها في جريمة فض الاعتصام. ففي الحديث الذي ادلي به مؤخرا لقناة سودانية ٢٤،مايفيد بانفراط وحدة موقف المكون العسكري، وتصدعه، بما قد ينطوي عليه ذلك من احتمال خروج بعض أعضائه من معادلة السلطة، كما حدث بعد يوم واحد من الاطاحة بالبشر، يوم ١١ أبريل، العام الماضي، بإقالة رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عوض بن عوف، ونائبه كمال عبدالمعروف. يبدو أنه قد ان الأوان، وفق الجدلية التي تعتمل في الساحة السياسية، لإعادة تشكيل المكون العسكري للسلطة الانتقالية، ومبرر تجاوز معضلة العدالة لضحايا مجزرة ٢٩ رمضان.

Pin It

مفاوضات جوبا هل هي بحث مخلص عن سلام دائم؟ أم سعي محموم وراء المغانم؟ (٢)


"إن ما خرجت تبحث عنه تركته وراءك في بسطام"
(الشيخ البسطامي)

المنبر التفاوضي الثاني

بقلم/ الباقر العفيف

مقدمة
تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن المنبر التفاوضي الأول مع الجبهة الثورية. وخلصنا إلى أن هناك عيوبا في الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل هناك قصور في تكوين الوفد الحكومي، الذي أُبعِدَت منه قوى الثورة متمثلة في الحكومة المدنية وحاضنتها السياسية في قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة، والخبراء والأكاديميين. وكذلك في البعد المكاني والنفسي عن الشعب. ومن حيث المضمون هناك إشكالية في المقاربة التي تفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية الشاملة لتحقيق السلام. كذلك أشرنا إلى أن المباحثات مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو تَعَثَّرتْ على صخرة طبيعة الدولة.
أصبح هناك اعتراف عام، حتى بين الإسلاميين وأهل النظام المباد، أن قضية الهوية تُمَثِّل واحدة من أعمق جذور الحرب، لدرجة أن المخلوع أفردها بالذكر وكَوَّن لها لجنة في حواره الوطني برئاسة الدكتور مضوي إبراهيم. وبطبيعة الحال، فإن إحدى تمظهرات قضية الهوية وجذور الحرب هي الدولة الدينية وتطبيق الشريعة الإسلامية التي كان غالب ضحاياها من المجموعات المهمشة.

كاتش توينتي تو
وجد أهل الأقاليم المهمشة أنفسهم فيما يسمى (بالكاتش توينتي تو) catch 22. وهذا تعبير انجليزي يصف حالة شبيهة بحالة "الوقوع في فخ"، أو أن تجد نفسك محاصرا بأوضاع تجعلك خاسرا في جميع الحالات. ولعل أدق ترجمة لعبارة كاتش توينتي تو هي بيت الشعر الذي يقول "ألقاه في اليَمِّ مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء". فمثلا الطبقة الحاكمة التي ورثت الدولة السودانية من الإنجليز تَبَنَّتْ هويتها الثقافية الخاصة بها، وهي الهوية العربية الإسلامية، لتصبح هوية وطنية لجميع شعوب السودان. وحدَّدت من هذا المنطلق علاقتها بالجماعات التي لا تشاركها هذه الهوية بصورة تَحَكُمِْية. وجعلت من أهل الهامش هدفا لتغيير الهوية، عن طريق حملات التعريب والأسلمة وكذلك عن طريق تمجيد وترويج أنموذج الحياة الشمالي، أو ما أطلقنا عليه لفظ "الشمللة.
هذا من الجانب الثقافي. أما من الجانب الاقتصادي فقد ظل أهل الهامش هدفا للإفقار والتجهيل الممنهج، لتسهل السيطرة عليهم. وليبقوا في حالة تبََعِيَّة مُستَدِيمة، وتَطَلُّع دائم للانتماء لهوية الدولة التي تجيء معها الامتيازات.
أما من الناحية السياسية، فظل أهل الهامش يُشَكِّلون موضوعا لكل صور الاستغلال التي تتراوح من استغلال أصواتهم الانتخابية للوصول للحكم إبان فترات الحكومات الحزبية، إلى تجنيدهم في المليشيات التي تخوض حروبا رخيصة الثمن نيابة عن الطبقة الحاكمة ضد مهمشين آخرين مثلهم. أما إذا ما تجرأوا وتمرَّدوا على هذه الوضعية، فسوف تَشِنُّ الدولة عليهم الحرب الضروس وتقمعهم بلا رحمة.
هكذا تأسست علاقة الدولة بأهل الهامش على أساس أن هويتهم الأصلية لا تؤهلهم للمواطنة. وأن ما يفصل بينهم وبين المواطنة هي المسافة التي يقطعونها في مسيرة اغترابهم عن هوياتهم الذاتية واكتمال استلابهم. أي خلع هوياتهم الأصلية وتبني هوية الطبقة الحاكمة المُعَبِّرة عن المركز العربي الإسلامي. هذا من ناحية. أما من الناحية الأخرى فيُصْبِح أهل الهامش، بسبب تشوهات الفقر والجهل، الأكثر عرضة لسيف القانون. وهم لحظة دخولهم نطاق أجهزة إنفاذ القانون حالَ مَا يلتقون وجها لوجه بواحد من أكبر مظاهر الهوية العربية الإسلامية المتمثل في العقوبات الإسلامية، بالذات تلك المتعلقة بالسرقة، وبيع الخمور البلدية وشربها. كذلك يلتقون وجها لوجه مع العنصرية المؤسسية متمثلة في التعامل المتحيز للشرطة، والقضاء والسجون. وتجربة محاكم الطوارئ في أواخر العهد المايوي ما زالت محفورة في الذاكرة لأن الغالبية المطلقة من ضحاياها الذين جُلدوا وبُتِرت أطرافهم كانوا من فقراء الهامش. أما في عهد الإنقاذ فقد كان هؤلاء البؤساء هم الأكثر عرضة لمنظومة النظام العام، قانونا وشرطة وقضاء وسجونا. فغالبية اللائي يتعرضن لحملات شرطة النظام العام هن من نساء الهامش. وغالبية النزيلات بسجن النساء هن من نساء الهامش. والجريمة المتكررة في أغلب الحالات هي بيع الخمور البلدية أو بيع الأطعمة والشاي. وهذا ما نعني بالكاتش توينتي تو.

التكييف الاجتماعي
في علم النفس الاجتماعي يُستخدَم مصطلح "التكييف الاجتماعي والثقافي". Social and cultural conditioning وهو أن تضع الدولة بسياساتها مجموعات سكانية معينة في وضع اقتصادي متدني ينتج أنماطا معينة من السُّلوك الاجتماعي والسِّمات الثقافية، وسط هذه المجموعات، تُجَرِّمُها الدولة. فمثلا في أمريكا تبلغ نسبة السكان السود حوالي ١٢.٦٪ من جملة السكان ولكن نسبتهم في السجون تبلغ حوالي٣٧٪ من مجموع المسجونين. بينما يشكل البيض غالبية السكان حيث تبلغ نسبتهم ٧٢٪، ولكن لا تتجاوز نسبتهم في السجون ٣٢٪.
وبطبيعة الحال فإن النسب العالية للجريمة وسط السود لا تعني أن الجريمة تجري في دمائهم وتختلط بجيناتهم بينما تضيق عنها مجاري دماء البيض. وإنما يعني أن الجريمة تتناسب تناسبا عكسيا مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه المجموعات. فبينما تنقص معدلاتها وسط المجموعات المحظية، التي تتمتع بوضع اقتصادي عالي أو جيد، تزيد معدلاتها وسط المجموعات المحرومة ذات الوضع الاقتصادي المتدني. ولما كانت سياسات الدولة الأمريكية تضطَّهِد السود تاريخيا، منذ عهود العبودية والفصل العنصري. ولما كانت وما تزال تحرمهم الحقوق والفرص المتساوية، عبر العنصرية المؤسسية. لذلك ترتفع بينهم نسب الفقر والفاقة والفاقد التربوي. فتضيق فرص العمل الشريف أمامهم وتتسع أبواب الجريمة من ترويج للمخدرات أو الانضمام لعصابات الجريمة المنظمة، هذا إن لم يكن الفرد موهوبا في الفن أو الرياضة. وماهي إلا مسألة وقت قبل وقوعهم في قبضة القانون. وهناك يلتقون وجها لوجه مع نظام قانوني مُصَمَّم للتعامل مع هذا النوع من الجرائم بقسوة بالغة، في حين يكون أكثر تسامحا ولينا مع جرائم الطبقات الوسطى والعليا، أو ما يسمى بجرائم الياقات البيضاء white collar crimes. وهكذا تكتمل دائرة الكاتش توينتي تو.

التشريعات والثقافة
راجت هذه الأيام مجموعة من التسجيلات لأنصار النظام البائد من الإسلاميين في هجاء ثورة ديسمبر المجيدة والقدح في وزرائها. ولفت نظري في بعض هذه التسجيلات إشارة أصحابها للدكتور نصر الدين عبد الباري، وزير العدل، بعبارة "وزير المريسة". وذلك لأنه في محاضرة أو مداخلة سابقة له تحدث عن غربة المُشَرِّع عن المجتمع عندما يجرِّم فعلا يمارسه المجتمع كله، أو قطاع كبير فيه، من منطلق ثقافي أو كونه عادة اجتماعية. وضرب مثالا لذلك بصناعة وشرب المريسة بالنسبة لمجتمعات وثقافات سودانية بعينها فيها المسلمة وغير المسلمة. فالمريسة في عرف هؤلاء تقع ضمن سلسلة الأطعمة والأغذية، ووسيلة لكسب الرزق. فأنت كمُشَرِّع، عندما تُجَرِّم هذا الفعل إنما تحكم على مجتمعات بحالها حكما ثقافيا من منطلق معياري لثقافة أخرى. وتكون وضعت مجتمعات بحالها تحت طائلة القانون. هذا فعل تنعدم فيه الحكمة من التشريع ولا يخلو من نعرة استعلاء ثقافي. ويُعتبر قانون النظام العام تجسيدٌ مثاليٌّ لنماذج التشريعات التمييزية والعنصرية التي تتجاهل ثقافة المجتمع وتحتقرها. فقانون النظام العام يُجَرِّم الأزياء النسائية السودانية، سواء تلك الأزياء التقليدية التي تطورت عبر القرون مثل الثوب والطرحة واللاوو وخلافها، أو الأزياء الحديثة التي جاءت مع تفاعلنا مع العالم المعاصر مثل البنطال والاسكيرت والبلوزة، وغيرها من أزياء قبلها المجتمع وأدمجها في أعرافه. فالقانون يحرم هذه الأزياء لأنه يحكم عليها بمعيار مستمد من ثقافات وأعراف شبه الجزيرة العربية وإيران وتركيا العثمانية. وهذا هو السبب في إدانة وجلد أكثر من ٤٤ ألف امرأة في الخرطوم في عام واحد فقط حسب إحصاءات منظومة النظام العام.
وتعارض التشريع مع الثقافات والعادات المجتمعية هو عين السبب الذي جعل الأستاذ محمود محمد طه يعارض قانون "الخِفَاض الفرعوني" الذي شرَّعه الانجليز في أربعينات القرن الماضي، بالرغم من اتفاقه معهم في أن الخِفَاضَ عادةٌ ضارة. وكانت حُجَّته الأساسية هي أن العادات الضارة لا تُحَارَب بالقانون، وإنما بالتوعية والتعليم والتثقيف والتمدين. ولأنه بمجرد إجازة ذلك القانون أصبح ٩٨٪ من السكان تقريبا واقعين تحت طائلته وخارجين عنه.
وبنفس المنطق فأنت لا يمكنك أن تُجَرِّم أسلوب حياة الناس. فإن كانت الطبقة الحاكمة ترى أن هناك مضار تقع على المجتمع من بيع المريسة، أو من خروج النساء لبيع الأطعمة والشاي، كما كان يرى مشرعو منظومة النظام العام، فواجب الحكومة هو توعية الناس بتلك المضار، والعمل على توفير البدائل لطرق كسب العيش بالنسبة لهذه القطاعات. وهذا لا يتأتى إلا بالتنمية الريفية ونشر التعليم وتوفير فرص العمل للناس. ولكن الحكومة لا تريد أن تسلك هذا الطريق الطويل الشاق، فهي تفضل الطرق القصيرة، السهلة، قليلة التكلفة short cuts فتفزع إلى سيف القانون القاهر.

مساهمة الحركة الإسلامية في تخريب الحياة السودانية
دخلت الحركة الإسلامية منذ نشأتها معترك الحياة السياسية في السودان وهي تحمل المصحف بيد والسيف باليد الأخرى. وكانت الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية هي سلاحها الأمضى الذي شرعت تَبْتَزُّ به القوى السياسية جميعها، وبالذات الحزبين الطائفيين. فمنذ نعومة أظافرها نجحت الحركة الإسلامية، بوسيلة الابتزاز والتوريط، في أن تقود الحزبين الكبيرين بسهولة بالغة في خطتها لتخريب الحياة السياسية في البلاد. كانت علاقة جبهة الميثاق الإسلامي بالحزبين الطائفيين أشبه شيء بغلام صغير ماهر يقود بعيرين ضخمين من خطامهما. ابتزت جبهة الميثاق الاسلامي الحزبين الكبيرين في قضية معهد المعلمين العالي وورَّطَتهما في حل الحزب الشيوعي. الأمر الذي صار وصمة عار في جبين الحزبين الطائفيين، وحمولة سياسية ثقيلة، مثل صخرة سيزيف، ينوء بحملها حزب الأمة خاصة، وبالذات رئيسه السيد الصادق المهدي الذي رفض حكم المحكمة الدستورية ما اعتُبر احتقارا للقضاء السوداني. ثم ابتزَّتهما مرة ثانية حتى انساقوا معها كالعُمْيَان في الحكم بردة الأستاذ محمود محمد طه. وورَّطَتْهُما مرة ثالثة في مقاومة مسلحة ضد نظام مايو باسم الحرب على الشيوعية، في عام ١٩٧٠، ما أدى لضرب الجزيرة أبا، ومقتل الإمام الهادي، ومجزرة ود نوباوي. وورَْْطَتْهُما مرة رابعة في محاولة قلب نظام مايو في عام ١٩٧٦، فيما عُرِف "بالغزو الليبي". وكان الأخوان المسلمون هم ضباط ذلك الجيش بينما الأنصار جنوده. وأدت تلكم المحاولة الفاشلة لقتل أعداد كبيرة من شباب الأنصار وأفراد الجيش.
وبعد أن تخلت جبهة الميثاق الإسلامي عن حلفائها الطائفيين في الجبهة الوطنية ودخلت نظام مايو، ورَّطت رئيس النظام في نقض اتفاقية أديس أببا، وعودة الحرب الأهلية في البلاد عام ١٩٨٢. وورَْطَتْه في تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر ١٩٨٣، وبايعته أميرا للمؤمنين. وكذلك شاركته في اغتيال الأستاذ محمود طه في يناير ١٩٨٥ وحشدت له مظاهرات التأييد. وبعد أبريل ١٩٨٥ ابتزَّت الجبهة القومية الإسلامية الحكومة الانتقالية، والتجمع النقابي، بمظاهرات المصاحف التي كانت تجوب الشوارع مهددة الجميع حال المساس بقوانين سبتمبر. وفي الحقيقة لم يكن سوار الدهب أو الجزولي بحاجة لابتزاز، فقد أعلنا عزمهما على الإبقاء على تلك القوانين. كذلك ابتزَّت السيد الصادق المهدي وأجبرته على بلع تصريحه حول قوانين سبتمبر من أنها "لا تساوي ثمن المداد الذي كُتِبت به". فاستجاب لابتزازهم وأبقى عليها. وعندما استولوا على السلطة في الثلاثين من يونيو ١٩٨٩، شَرَّعوا القانون الجنائي لعام ١٩٩١ المؤسِّس على الشريعة الإسلامية. وهكذا راهن الإسلامويون على جعل الشريعة خازوقا حقيقيا ومسمار حجا مغروزا على جسد الوطن، لا يَقَوَى أحدٌ على نزعه حتى وصلنا لحكومة الثورة الحالية. وهكذا نرى أن الدولة الدينية وقوانين الشريعة الإسلامية في الحقيقة لم يَخْتَرْها الشعب، ولم تجيئ عن طريق حوار وطني، بل حشرها له الحكام في حلقه بالقوة، واستخدموها ضده كسوط عذاب لتثبيت عروشهم. ولقد أثبت الشعب رفضه القاطع لها. بل ثار ضدها وأسقطها مرتين. المرة الأولى بإسقاط مايو عام ١٩٨٥، والمرة الثانية بإسقاط الكيزان في العام ٢٠١٩. ورغم كل ذلك عجز مفاوضو الحكومة في منبر التفاوض الثاني عن الالتزام بتلبية الرغبة الشعبية في إقامة الدولة المدنية العلمانية.

نواصل

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

24 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع