ابحث عن

مفاوضات جوبا: هل هي بحث مخلص عن سلام دائم؟ أم سعي محموم وراء المغانم؟


(١)
"إن ما خرجت تبحث عنه تركته وراءك في بسطام"
(الشيخ أبا يزيد البسطامي)"
بقلم/ الباقر العفيف

مقدمة
تجري في جوبا مباحثات للسلام. أطرافها معلومة. بيد أن الأخبار والمعلومات التي تخرج منها شحيحة. لا يعرف المتابعون منها إلا ما يدلي به بعضُ المتفاوضين من تصريحات صحفية محسوبة تُفصِح عن شيء وتُخفي أشياء. لا تُوجَد وثيقة أو مسودة مُلّكَت للعامة بحيث يمكن الاطلاع عليها لمعرفة ما اتُْفِق عليه. الشعب ليس جزءا من هذه المباحثات ولو على مستوى المتابعة. السلام يبدو كبضاعة نادرة مستوردة من الخارج، سوف تُعْلَن للجمهور في الوقت المناسب، ربما على أعتاب العيد، كمفاجأة سارة. كل ما يعرفه الشعب عن هذه المباحثات هو أن هناك منبران للتفاوض، أحدهما بين الوفد الحكومي والجبهة الثورية التي تضم تسعة فصائل. والمنبر الآخر بين الوفد الحكومي والحركة الشعبية شمال التي يترأسها عبد العزيز الحلو. وأنه بينما تَعَثَّرت المفاوضات في المنبر الثاني تَقَدَّمت في المنبر الأول. وما زالت هناك حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور التي تقاطع هذه العملية برمتها. استعصمت بالرفض. ولم تفصح بَعدُ عن استراتيجيتها للسلام.

المنبر التفاوضي الأول
أتناول في هذا المقال المنبر التفاوضي الأول بين الحكومة والجبهة الثورية. وسأتناول المنبر الثاني في مقال قادم. أما هنا، فأعرض ملاحظاتي في ثلاثة عناوين فرعية هي: "وفود التفاوض"، و"الغائبون عن التفاوض"، و"محتوى التفاوض".

وفود التفاوض:
أولا، الوفد الحكومي:
الوفد الحكومي يتكون جميعه من مجلس السيادة الانتقالي ويتألف من ثلاثة عسكريين ومدني واحد، هم محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيسا، وعضوية كل من ياسر العطا وشمس الدين كباشي، ومحمد الحسن التعايشي. وقد انضم إليهم في فترات مختلفة مجموعة من الأفراد بصفتهم أعضاء في تجمع الحرية والتغيير والمجتمع المدني مثل شمس الدين ضوء البيت، وإسماعيل التاج، وأزهري علي، ومحمد فاروق، وإبراهيم الشيخ. وليس واضحا لي تماما إذا ما كانوا يشاركون بصفتهم مستشارين للوفد الحكومي أم جزء من وفد التفاوض أم جزء من الوساطة. كذلك اشترك يوسف الضي، وزير الحكم المحلي، وحسان نصر الله علي كرار، وكيل وزارة الحكم المحلي، وضابط إداري قديم اسمه طه. ولواء أمن عصام عوض الكريم، بالإضافة لمجموعة مستشارين من وزارة العدل عددهم يتراوح ما بين خمسة إلى سبعة أفراد. الملاحظ في الجانب الحكومي هو عدم ثبات العدد. فهناك أناس يجيئون ويذهبون لا تُعرف على وجه الدِّقَّة الصفات التي يحضرون بموجبها المفاوضات ولا الأدوار التي يلعبونها فيها.

ثانيا، وفد الجبهة الثورية
تتكون الجبهة الثورية من تسعة فصائل هي الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال التي يقودها مالك عقار وياسر عرمان. وضمن وفدهم بثينة وإشراقة. وحركة جيش تحرير السودان جناح مني أركو مناوي. وضمن وفدهم محمد بشير أبو نمو، حسين أركو مناوي، نور الدايم طه، محمد حسن هرون (أوباما) وهو الناطق الرسمي باسم الحركة. وحركة العدل والمساواة التي يقودها جبريل أبراهيم. وضمن وفدهم أحمد آدم بخيت، وأحمد تقد، وزكريا، ومعتصم أحمد صالح، ودكتورة إيثار خليل إبراهيم. وتجمع قوى تحرير السودان التي يقودها الطاهر حجر وعبد الله يحيى. وحركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي- التي يقودها د. الهادي إدريس ونمر عبد الرحمن. والجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة برئاسة الأمين داوود، وأمينها العام عبد الوهاب جميل. بالإضافة لبعض التنظيمات من شرق وشمال ووسط السودان، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي- الجبهة الثورية برئاسة التوم هجو، ومؤتمر البجا المعارض، برئاسة أسامة سعيد. وحركة تحرير كوش برئاسة أحمد داوود، وضمن وفدها دهب أبراهيم دهب، وصلاح إبراهيم دهب.

الغائبون عن التفاوض
ثالثا، يُلاحظ غياب أي ممثل للسلطة التنفيذية أو مجلس الوزراء عن الوفد الحكومي. وكذلك غياب حاضنته السياسية، قوى إعلان الحرية والتغيير. جاء أبراهيم الشيخ ضمن وفد من الحرية والتغيير ولكن اعترضت عليه حركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي. وفي الحقيقة لا أجد تفسيرا منطقيا لهذا الغياب. بل كان من الأفضل أن يمثل الوفد قوى الثورة تمثيلا شاملا وحقيقيا. وذلك بأن يضم ممثلين لمجلسي السيادة والوزراء، وممثلين لقوى إعلان الحرية، بالإضافة لشباب من الجنسين، منتخبين بعناية، ليمثلوا لجان المقاومة. إن وفدا مثل هذا كان سيعكس وحدة مكوني الحكومة والحاضنة السياسية وشباب الثورة. فإذا أضفنا لذلك مجموعة الخبراء والمستشارين الذين ينظرون للسلام بمنظور استراتيجي والإعلاميين الذين يربطون الشعب كله بهذه المفاوضات لاكتسبت بعدها المجتمعي، وزخمها الثوري ومشروعيتها الشعبية.
وبالإضافة لذلك كنا سنفارق الأسلوب القديم البالي لنجترح لأنفسنا دربا جديدا في تحقيق السلام يشبه ثورتنا العظيمة. وكان انتفى الحديث عن استحواذ مجلس السيادة على ملف السلام وإقصاء الحكومة التنفيذية منه. ولكنا استعدنا التوازن في ميلان كفة الثقل العسكري في الوفد المفاوض. فالعسكريون لهم خبراتهم الميدانية القتالية، ولكن لم يُعرَف عنهم فهمهم العميق لجذور الحرب، أو إلمامهم بمراحلها التاريخية وتعقيداتها وتطور المفاهيم السياسية للحركات المسلحة. كما إنهم لم يكونوا جزءا من الحوار السياسي والفكري حول الحرب والسلام الذي كان يجري في دوائر المعارضة طيلة العقود السابقة. لقد عَمَّق هذا الحوار الفهم العام لجذور الحرب مما يساهم في وضع الحلول الشاملة لها. ولقد رأينا مفاوضي حكومة الإنقاذ وكيف يجزؤون القضايا، وكيف يهتمون ببذل وظائف السلطة لإغراء معارضيها المسلحين أكثر من اهتمامهم بتحقيق السلام العادل على الأرض.

رابعا، يلاحظ أيضا غياب خبراء النزاعات وقضايا السلام بالرغم من أن وجودهم كمرجعيات فنية ضروريٍّ جدا. وقد شكَّل الخبراء، سواء كانوا سودانيين أو أجانب، حضورا واضحا في جميع المفاوضات السابقة ولعبوا فيها أدوارا مهمة كمصادر للمعلومات الصحيحة حيثما اصطدمت معلومات المفاوضين حول التاريخ والأحداث، وكداعمين فنيين في مجال الصياغات، وكمبادرين بإيجاد المخارج التوفيقية كلما ارتطم مركب المفاوضات بصخرة في العباب. فمثلا في أبوجا لعب هذا الدور من الخبراء الأجانب كل من البروفيسور أوفاهي والدكتور ألِكس دي وال وكلاهما متخصص في دارفور، الأول في تاريخها والثاني في حاضرها. وبطبيعة الحال كان من الممكن الاستفادة من عدد كبير من الخبراء السودانيين الذين سكبوا مدادا كثيرا في قضايا النزاعات والحروب الأهلية في السودان. وغاصوا في جذور المشكلة بالتحليل العلمي المُوثَّق. كان من الممكن على سبيل المثال الاستفادة من مراكز السلام في جامعة الخرطوم وجامعة بحري وغيرها من الجامعات. وكذلك الاستفادة من أساتذتنا الكبار أمثال الدكتور محمد سليمان، والدكتور موسى عبد الجليل، والدكتور عبد الغفار محمد أحمد، والبروفيسور يوسف تكنة، وكذلك من الأجيال اللاحقة البروفسير عطا البطحاني، والدكتور جمعة كندا، والدكتورة سعاد حاج موسى مؤلفة كتاب "الصقور والحمائم في الصراع المسلح في دارفور: حكامات دارفور البقاريات"، والدكتورة فايزة حسين، والأستاذة صفاء العاقب، والدكتور منزول عسل، والأستاذ عبد العزيز محمود، وهذا فقط على سبيل المثال لا الحصر.

وكان حري بالحكومة اشراك مجموعة من الشخصيات القانونية المرجعية، والمثقفين الذين اهتموا بالنزاعات والسلام وكتبوا فيها كثيرا. هؤلاء الخبراء والأكاديميون كانوا سيقدمون استشاراتهم للمفاوضين مباشرة في طاولة المباحثات، ويتولون الدعم الفني كتدقيق صياغات أوراق ووثائق التفاوض. والأهم من ذلك كله أنهم كانوا سيؤدون مهام تثقيفية للمفاوضين، على هامش المفاوضات، عن طريق الندوات المسائية التي يشارك فيها الجميع بالنقاش فتؤدي إلى توسيع المدارك وتشبيع جو التفاوض بالفكر السياسي والمعرفة التاريخية.

محتوى التفاوض
أصبح هناك شبه إجماع على أن قضية الهوية تمثل الجذر الأعمق للحروب الأهلية في البلاد. فالتعدد الثقافي والديني والتاريخي والجغرافي والاثني واللغوي الموجود على أرض بلادنا الواسعة ليس موجودا أو منعكسا في مؤسسات الدولة وسياساتها. فدولتنا عبارة عن تجسيد لعناصر هوية إثنية واحدة. أي تجسيد لثقافة واحدة، ولغة واحدة، ودين واحد، وفهم واحد داخل هذا الدين الواحد. ليس هذا وحسب بل هناك محاولات مستمرة ومستميتة من الطبقة الحاكمة لاستخدام قوة الدولة وجبروتها لمحو هذا الواقع التعددي وإزاحته من الوجود إما عن طريق ما أسميته سياسات "الشمألة" أو "الشميلة"، وأعني بها نشر عناصر هوية أهل الشمال النيلي، كما تَتَمَثَّلها وتُمَثِّلُها الطبقة الحاكمة، لتصبح عناصرا لهوية البلاد قاطبة، وذلك على حساب الهويات الأخرى. وبعبارة أخرى تحويل الهوية الثقافية للطبقة الحاكمة لتصبح هي الهوية الوطنية للبلاد. أي أن تتطابق الحدود الجغرافية مع الحدود الثقافية للطبقة الحاكمة. وهذا لن يتم إلا بواحد من طريقين. إما أن يخلع الآخرون هوياتهم ويلبسوا جلباب الطبقة الحاكمة، ويدخلون في هويتها أفواجا، أو أن يذهبوا في حال سبيلهم وينفصلوا. فالانفصال وتشرذم البلد وتقزيمها في حدود مثلث حمدي هي الثمار المرة لهذا المشروع اللا عقلاني. فمثلما انفصل جنوب السودان، كذلك يلوح في الأفق انفصال جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما إن دارفور ليست بعيدة من هذا المصير. أما قادتنا فهم نفسهم هم الذين شبههم الدكتور منصور خالد بآل البوربون الذين لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا.

تمظهرت محاولات الشميلة في إغفال تاريخ الحضارات السودانية القديمة، وانتخاب فترة تاريخية واحدة، هي فترة دخول العرب في السودان، لتصبح بداية لتاريخنا. كما تمثلت في تعريف السودان كبلد عربي، وتقرير طبيعة الدولة كدولة دينية، وسن قوانينها بناء على الشريعة الإسلامية. كما تمظهرت في الالتصاق بهامش العالم العربي وتَشَرُّب ثقافته والتورط في قضاياه من ناحية، وإدارة الظهر لأفريقيا والجهل بثقافتها وإهمال تاريخها وارتباطنا بها من الناحية الأخرى. ولقد حسَمَت الطبقة الحاكمة الشمالية في المركز جميع هذه الأمور المصيرية بصورة أحادية انتجت إقصاءً لجميع المكونات المجتمعية الأخرى التي اعتُبِرت "أقلية" يجب إخضاعها بالقوة الجبرية لتندرج في هذه الترتيبات. اعتُبِرَت المكونات الأخرى "أقلية" ليس بسبب عددها، فمن حيث العدد هي الأغلبية المطلقة، ولكن بسبب خفة "وزنها" السياسي وتدني "قيمتها" الإنسانية أو ال human worth في نظر الطبقة الحاكمة. وهذا ما أنتج الحروب الأهلية وأدى لانفصال الجنوب، ومحارق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتململ شرق السودان وصراعاته. وهو أيضا ما أنتج التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه المجموعات، وكذلك العنصرية المؤسسية وكل أمراض الاستعلاء العرقي والثقافي.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يُدْرِك المتفاوضون، وبالذات الجانب الحكومي، جذور المشكلة على هذا النحو؟ وإذا كانت الإجابة لا كما أُرَجِّح، فما هي استراتيجيتهم للسلام؟ لأنه بدون هذا التصور يصعب أن تتوفَّر لديهم رؤية شاملة تسعى لوضع حد نهائي للنزاعات في البلد واقتلاع شجرة نسب الحروب الأهلية في البلاد من جذورها؟ فإن صح هذا، لم يبق إلا أن يكون الوفد الحكومي ذهب ليُقَدِّم بعض المُغْرِيات لقادة الحركات المسلحة تحفزهم لتوقيع وثيقة للسلام شبيهة بسابقاتها من الوثائق التي لم توقف حربا على الأرض ولم تحقق سلاما بين الناس. وعندنا من هذا النوع من اتفاقيات السلام ما يكفي وزيادة.

لماذا تَقَدَّمت المفاوضات مع الجبهة الثورية وتَعَثَّرت مع الحركة الشعبية شمال برئاسة الحلو؟
تَقَدَّمت المفاوضات مع الجبهة الثورية خطوات لأنها تجاوزت عن طرح القضايا السياسية المصيرية، مثل قضية جذور الحرب وسؤال الهوية وكيف يُحكم السودان، بينما تصر مجموعة الحلو على طرحها. رأت الجبهة الثورية تأجيل هذه القضايا المصيرية لحين قيام المؤتمر الدستوري. ولذلك لم يتبق شيء يُتَفاوَضُ حوله سوى القضايا الفنية مثل الترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة والسلطة وقضايا النازحين واللاجئين والرُحَّل والعدالة والمصالحات والتعويضات وغيرها من القضايا. أي الاتفاق على النِسَب والكَمْ والكَيف.

ولعمري هذا أمر مثير للدهشة إن لم نقل عنه مؤسف ومحبط. لأن المفترض إن ما يجمع بين مكونات الجبهة الثورية هي القضايا المصيرية. فالجبهة الثورية بطبيعة تكوينها القومي كانت مؤهلة للانشغال بالقضايا الكلية الجذرية المتعلقة بأسس بناء سودان جديد تنعدم فيه أسباب الحروب. كان منتظرا منها أن تتقدم برؤية شاملة لشكل الدولة ودستورها، وقوانينها، وأقاليمها، وجيشها، وشرطتها، وأجهزة أمنها، وخدمتها المدنية، واقتصادها، ونظمها التعليمية والثقافية والإعلامية وعلاقاتها الدولية. وكيف تبُنىَ كل هذه النُظُم على أسس الهوية ذات الأبعاد المتعددة ثقافيا ودينيا واثنيا ولغويا.

كان من المفترض أن تشمل المفاوضات المخاطر الحالية التي تتعرض لها الثورة من قبل أنصار النظام المباد داخل الجيش والأجهزة الأمنية ومليشيات الكيزان وأن تُتَّخَذ من الإجراءات العاجلة ما يؤمن للثورة جيشا يحميها ويضمن نجاح الفترة الانتقالية. كان يمكن للمفاوضات أن تتحول لعملية بناء السلام وحماية الثورة في آن واحد، وأن تِطلِق مسارا شعبيا لصناعة الدستور ينخرط فيه الجميع خلال الفترة الانتقالية. كان المتوقع أن ينخرط القادة الكبار في مثل هذ القضايا المصيرية الكبرى التي تُؤَسِّس لدولة راسخة تبقى لأجيالنا القادمة بعد مئات السنين. وبهذا يصبحوا الآباء المؤسسين للسودان الذي حلم به شباب الثورة وشهداؤها. أما القضايا الفنية فكان يمكن أن تُحَال لِلِّجان الفنية المتخصصة من الطرفين.

لم يحدث هذا بكل أسف. بل على غرار "حدس ما حدس"، أزاحت الجبهة الثورية هذه القضايا المصيرية من طريقها حتى لا تحول بينها وبين حصد ثمرات الفترة الانتقالية. وبطبيعة الحال ما إن انفتح "باب الثمرات" من "كتاب الكفاح" حتى تشرذمت الجبهة الثورية كجبهة وبرزت مكوناتها المختلفة كل يريد أن يظفر بنصيب الأسد من غنائم "السلام". ومكونات الجبهة الثورية فيها الحامل وفيها المحمول. فحركات دارفور والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار وياسر عرمان يمثلون عظم ظهر الجبهة الثورية. وهم يحملون على ظهورهم بقية المكونات. ويبدو أنه آن أوان التخلص من عبء الحمولة. ولكي ما يجري ذلك بطريقة مناسبة ابتدعت الجبهة الثورية مصطلح "المسارات". فأصبح هناك مسارا للوسط ومسارا للشرق ومسارا للشمال ضمنت للحمولة نصيبهم الذي لم يُفْصَح عنه بعد، فوقَّعوا "اتفاقيات سلامهم"، أو بالأحرى "استلامهم"، مع الوفد الحكومي وانصرفوا. الآن كل أصحاب مسار من أهل الحمولة (ناس التوم هجو) برز له منافسون من مكونات أقاليمهم ينازعونهم على العَظْمَة الُمبْهَمة التي أُلقِيت لهم، ضَعُف الطالب والمطلوب.

أما الحامل من الجبهة الثورية فانقسم لقسمين، "مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان" و"مسار دارفور". أما المسار الأول ففيه قنبلة موقوتة تتمثل في الحركة الشعبية شمال بقيادة القائد عبد العزيز الحلو، الذي ينازع رفاقه السابقين مشروعية تمثيل المنطقتين. أما المسار الثاني فسرعان ما سوف ينقسم بعدد الحركات المسلحة المكونة له. وقد بدأت بوادر هذا الانقسام بين حركتي جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل أبراهيم. والبقية ستتبع قريبا. وكلنا نعلم أن الصراع حول المغانم هو من أشرس أنواع الصراعات. فسوف يختصم رفاق الأمس ويشمرون عن سواعدهم ويمسكون بتلاليب بعضهم بعضا، ويُشهِرون مخالبهم وأنيابهم. وربنا يكضب الشينة.

تطالب حركات مسار دارفور ب ٣٠٪ من وزراء الوزارات الاتحادية من بينها وزارتين سياديتين. و٣٠٪ من وزراء الدولة. و٣٠٪ من أعضاء المجلس التشريعي. و٣٠٪ من رؤساء اللجان في المجلس التشريعي. و٣٠٪ من المفوضيات الإقليمية. أما في إقليم دارفور فيطالبون ب ٨٠٪ من ولايات دارفور الخمس إلى حين قيام الحكومة الإقليمية. عندها يكون نصيبهم من حكومتها ٧٠٪ على أن تؤول لهم رئاستها بالطبع.

وهكذا استغرق المفاوضون في المساومة (خد وهات) مع وفد الحكومة. وكأنها مفاصلة على الثمن بين بائع وزبون مشتري، هذا إذا اعتبرنا السلام هو السلعة التي "تجلبها" الحركات المسلحة لتبيعها لحكومة "الجلابة". تفعل الجبهة الثورية ذلك بينما أعين قادتها على مناصب الحكومة الانتقالية، يريدون أن يوقفوا الحياة في البلاد إلى أن يفرغوا من المساومة ليأخذوا نصيبهم من الوظائف. إذ تصر الجبهة الثورية على تعطيل عملية استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية من مجلس تشريعي وتعيين حكام الأقاليم إلى ما بعد توقيع اتفاق السلام ليتسنى لقادتها المشاركة فيها باسم "استحقاقات السلام".

أليست هذه هي ذات الطريقة القديمة التي كانت تدير بها دولة الإنقاذ الزبائنية مباحثات السلام مع القوى الحاملة للسلاح. حيث تعني اتفاقيات السلام معها تَوَسُّعا في وظائف الدولة لإرضاء حملة السلاح وقادتهم السابقين واللاحقين، والمنشقين والمنشقين-عليهم، وكل جحافل المناضلين ورفقاء الأيام الصعبة. ولا يهم أن يترهل جهاز الدولة الإداري حتى لا يقوى على النهوض على قدميه. فيُرهِق كاهل المواطن الغلبان، الذي حمل هؤلاء المناضلين السلاح لأجله، بالضرائب والإتاوات، ويفتح أبواب الفساد على مصراعيها.

ولقد رأينا رأي العين ما يمكن أن يفعله هؤلاء المناضلين عندما ينيخون زواملهم على كراسي السلطة. رأيناه في دولة جنوب السودان حيث تقاسم الكومريدز أموال الدولة الوليدة فيما بينهم حتى شاهدنا بأم أعيننا ما لم يخطر على قلب بشر، شاهدنا ابن وزير الدفاع السابق لحكومة جنوب السودان يصور نفسه مطمورا في جبل من الدولارات الأمريكية، يغرف منه بيديه ويهيل على رأسه، كأنه يستحم بها، في حين يَتَضَوَّر شعبه جوعا. ورأيناه أيضا في السودان في أثناء وبعد مفاوضات الدوحة، ذلك المولد الكبير، الذي انفتحت للكيزان فيه خزائن أمراء قطر فسال لعابهم لها أنهرا وجداول، وألقوا بكيانهم كله فيها. جعلوها تتطاول لثلاثين شهرا، أقاموا خلالها في الفنادق، تحت الضيافة القطرية السخية، هم وأسرهم، لدرجة أن سمعنا أن بعضهم حملت نساؤهم وولدن هناك. اتخذ الكيزان اتفاقية الدوحة وسيلة لإفساد المناضلين السابقين الذين لم يترددوا لحظة في الانضمام لجوقة الفساد الغارقة في الأموال والمتع الحسية بينما شعبهم يتضور جوعا. وأخشى ما أخشاه أن نكون ما نزال نغذ السير في نفس ذلك الدرب القديم المفضي إلى الهاوية.
نواصل

Pin It

اسباب النزاعات القبلية 2


بقلم :هيثم محمدين ادم
باحث في مجال النزاعات والسلام
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مواصلة لمعرفة الاسباب الجزرية للنزاعات القبلية في دارفور لابد من تحليل الحالة بشكل كامل بغرض معرفتها وهنا نورد ما تبقى من الاسباب التي تم ذكرها أنفآ وهي الاسباب الاقتصادية وغياب هيبة الدولة .
الاسباب الاقتصادية:

غالباً ما يكون النزاع القبلي نتيجة للتنافس علي الموارد التي هي في الغالب السند المباشر للثروة التي تمثلها القبائل بمختلف طبيعة حياتهم. فنجد ان المزارع لابد من ان يجد الارض التي يتوفر فيها الماء الصالحة للزراعة وكذا الراعي لابد ان يجد الماء والمراعي الوفيرة حيث ان كل من المزارع والراعي ينتفع بإنتاج غيره فنجد ان الاسواق الأكثر حيوية في ولايات دارفور هي تلك الاسواق التي يتم فيها الاختلاط بين الرعاة وهم الأكثر شراءا للسلع وعلية تكون هذه الاسواق  أكثر انتعاشاً وفائدة للذين يأتون أليها وعندما يحدث اي نزاع يتحول تبادل السلع الي مكان اخر ويظهر سوق جديد يكون اكثر نشاطاً وتبادلا للمنافع و من هن يتضح ان الاركان الاساسية للانتعاش الاقتصادي في كل اسواق دارفور هو الامن ونتيجة للنزاع وفقدان الامن يجد جزءا كبيرا من الرعاة أنفسهم قد  فقدوا ماشيتهم نتيجة للنزاع وبالمقابل يظهر أغنياء الحرب الذين يدمنون النزاع عبر مكوناتهم القبلية بتصنيف السوق والسيطرة عليه يضاف إلي ذلك ظهور قطاع الطرق ومعتادي النهب المسلح وتجار السلاح الذين يزدادون بصورة كبيرة في مدن دارفور وبالتالي فان غياب التنمية المتوازنة خلال فترات الحكم الوطني جراء الاهمال المتعمدة لاقليم دارفور يعتبر من العوامل الرئيسية لنشؤ النزاعات في الاقليم حيث كانت التنمية الاقتصادية والسياسية موجة الي حد كبير لتلبية احتياجات اقاليم محددة من توفر الطرق للتجارة و تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات الادارية عوضا علي خدمة اقاليم السودان الاخري ونتيجة لهذه السياسات غير المتوازنة في التنمية ترك اقليم دارفور متخلفاً نسبياً مما ادي الي الغبن السياسي والظلم الاجتماعي الذي عبر عنه مجتمع الاقليم بظهور حركات مطلبية وفتح الحدود الذي أسهم في توفير الاسلحة الحديثة وتنامي الشعور بالاثنية أدي الي توسيع نطاق النزاعات الي صراعات داخل الاقليم وظهور حركات مسلحة تتمتع بتأييد في اوساط بعض القبائل الامر الذي ادى الي ان تأخذ المشكلة منحنى اخر وساهم في تشكل الازمة الحالية وتفاقم المشكلة والتي خرجت عن السيطرة المحلية في الحل واخذ بعدا دولياً خلف أثارا اجتماعية واقتصادية وسياسية وبئية وامنية سالبة أثرت علي المجتمع في الاقليم وفي ظل الانفلات الامني وانتشار الفوضي بدأت حياة مجتمع دارفور تضطرب وتتصدع وتفكك النسيج الاجتماعي وأخذ النزاع القبلي طابعاً أشد خطورة

غياب هيبة الدولة:

نجد ان غياب هيبة الدولة وقصور وضعف فعالية أجهزتها التنفيذية والادارية يعتبر واحدة من العوامل المؤدية للنزاعات لان ذلك ساهم وساعد بصورة كبيرة في الخلل والانفلات الامني بصورة عامة.هذا بالاضافة الي الخلل في ميزان القوي بين الحكام والمحكومين حيث ظلت الحكومات تشكل العقبة الرئيسية التي تعوق مسيرة القوى الشعبية في التعبير عن تطلعاتها باستخدام وسائلها المختلفة لانها تسعي دائماً للسيطرة علي مراكز الثروة والسلطة لادارة مصالحها من خلال توسيع الظل الاداري لتوسيع التمدد السياسي في الاقليم وهنا نورد بعد الامثلة كنموذج لاويتي شرق دارفور وجنوب دارفور فيما يتعلق بالنزاعات القبلية حيث قامت حكومة الانقاذ باتخاذ قرارات سياسية سيست بموجبها الوحدات الادارية لاقليم دارفور فأصبحت الوحدة الادارية (سلعة) سياسية يفاوض بها في الولاء والاستقطاب السياسي فكان انشاء ولايات ومحليات ووحدات ادارية باعتبارها ثمنا لما قامت به القبيلة او احد بطونها الكبيرة مقابل الولاء السياسي وبالتالى جاءت الألية القبلية كمعيار اساسي لانشاء ولاية أو محلية أو الوحدة الادارية أما الاعتبارات الاخري فهي ثانوية و لتنفيذ هذه السياسيات تم تقسيم ولاية جنوب دارفور وغرب دارفور ومن ثم تم تقسيم ولاية جنوب دارفور الي 21معتمدية وشرق دارفور الي 9 معتمدية بقرار رقم (186) بتاريخ 5/5/2011م (قرار مجلس الوزراء بالغاء وإنشاء ولايات ،بتاريخ 5/5/2011م، وزارة الحكم الاتحادي(.

وبهذا نجد ان التنظيم الاداري الذي من ابرز سماته الجانب  القبلي العشائري الذي أتاح الفرصة لأعادة احياء القبلية المتطرفة التي سادت الان في مجتمعات دارفور في ابشع مظهر لها في النزاعات القبلية التي تدور في الاقليم وقد تحدث هذه النزاعات بين قبيلة كبيرة تمتلك الارض أو الديار واخرى صغيرة وهذا يعني ان القبيلة الصغيرة تابعة ادرياً للقبيلة الكبيرة, وذلك يشير الي ان نظام الادارة الاهلية كما هو معروف يعتمد اساسا علي مجموعة من الاعراف التي من اهم بنودها ان حق الادارة يعتمد اساسا علي ملكية الارض او الديار القبلية المعنية اي ان القبيلة التي لا تمتلك الدار لا يحق لها عرفاً المطالبة بحق الادارة ومن الاشياء المتعارف عليها أن القبائل الصغيرة التي ليس لها ديار خاصة بها تسكن في ديار القبيلة الاكبر حجماً ومن ثم تتبع لها ادرياً ويحدث النزاع عندما تطالب القبيلة الصغيرة بالانفصال عن إدارة القبلية الكبيرة بمعني مطالبتها بالاستقلال الاداري وعدم التبعية للقبيلة الكبيرة وعادة ما ترفض القبلية صاحبة الدار هذا الطلب الانفصالي فينشب نزاع بين القبيلتين والذي يأخذ طابع النزاع الاداري وعادة مايتم حسم هذا النوع من النزاعات بأعطاء القبيلة الصغيرة نوعاً من الادارة الاهلية المستقلة علي ان تكون تابعة لادارة القبيلة صاحبة الدار بحيث تكون الكلمة العليا للقبيلة الكبيرة. إلا ان هذا الوضع عادة لا يرضي طموحات القبائل الصغيرة التي تسعي للانفصال كلياً وعدم التبعية ومن ثم نادراً ما تلتزم ببنود الصلح المنعقد وتكون دائمة المطالبة بالانفصال واثاره الكثير من المشاكل مالم يتم التوصل لحل جزري يرضي كلا الطرفيين خاصة الطرف المطالب بالانفصال وهذا النمط من النزاعات يتسم بالتعقيد فليس من السهل تجاوز مفهوم الديار والارض ان هذا الفهم يعد جزءاً من الموروث الثقافي القبلي وحقاً مكتسباً منذ القدم يحوي أبعاد سياسية واجتماعية عميقة المضامين.

 

Pin It

مقاربات:  حول الحرب والسلام و مطامع النخب فى النزاعات


بقلم : دكتور نزار ماشا


هذه محاولة لاثبات مقاربة تتعلق بالنزاعات فى دول العالم الثالث و خاصة افريقيا و سنعمل على تطويرها علها تفيد المجتمعات البشرية فى كيفية ادارة و فض و الوصول للحلول المثلى للنزاعات.
تحدث النزاعات احيانا كثيرة بسبب الحرمان و الاحساس بان هناك مجموعات محددة من البشر هم سبب ذلك الحرمان.


عندما يكون هناك ضعف فى البنية الاقتصادية و التنموية و ضعف الخدمات لمجموعات معينة داخل الدولة, بجانب الفقر و العنف و الجهل و ذلك كنتيجة لظلم تاريخى و معاصر مرتبط بالتوزيع غير العادل للسلطة و الثروة و الفرص, لمجموعات دون الاخرى داخل الدولة الواحدة, بجانب التعالى العرقى و الاثنى و الدينى و القبلى و الانتهازية و ممارسة الخداع و الغش من قبل النخب الاجتماعية و نخب المركز و النخب الحاكمة التى تلتقى فى مصالحهها مع بعضها البعض, الامر الذى يحدث واقع يقسم المجتمع لطبقات ليست فقيرة و غنية فحسب و بل طبقات عليا و دنيا و شريفة و وضيعة, و ان كان هذا التمييز غير مصرح به و لكنه يكون معاشا و واقعا, و تكون نتيجته ايضا استغلال للموارد البشرية و الطبيعية لمناطق محددة من قبل النخب من المجموعات المختلفة, و تكون المحصلة هى التمرد على النظام المحدد الذى يحكم او يدير المجموعة, و يحدث التمرد و العصيان عبر قيادات المجتمع او ما يعرف بالنخب نفسها التى تكون فى وضع بعيد عن السلطة و اتخاذ القرار. و هذه النخب التى تقود الخروج و العصيان ضد الدولة نجدها تتكون من مجموعات عديدة قد تكون مجتمعة او بعضا منها او واحد منها, قد تكون قيادات قبلية من غير الادارات الاهلية او قد تكون نخب سياسية او مجتمعية او من النخب التى تعيش فى المركز او النخب من الخارج التى لظروف الظلم نجدها تعيش خارج الدولة المعنية, او من الذين نالوا قسطا من التعليم ربما يفوق اقرانهم او الناشطين المجتمعيين او السياسيين.


رغم ان الاسباب التى تؤدى للتمرد و العصيان و العنف تكون واضحة و تحتاج لمعالجات انية و جذرية, الا ان المركز غالبا لا يقر بذلك و يثبت ذلك محاولات قمع التمرد بالقوة و العنف و اظهار هذه المجموعات مجرد متمردين على السلطة و قطاع طرق و خارجين عن القانون و غيره من الاوصاف السلبية, و مع توسع التمرد رأسيا و افقيا تلجأ نخب المركز التى تكون فى السلطة للتفاوض و الاقرار بان هناك ظلم يحتاج الى معالجات.


فى واقع الامر غالبا مايستخدم فى التفاوض مقاربة ادارة النزاع لانها الاسرع و الافضل و يكون التفاوض بين القيادات العسكرية و السياسية و التنفيذية من الجانبين المركز و المجموعات التى خرجت نتيجة للظلم, و رغم ان الاسباب الجذرية و الحلول واضحة و يجب ان توضع كأجندة لتحديد كيفية معالجتها الا ان طرفى النزاع ينهجون منهجا في التفاوض ينحصر فى واقع الامر على تحقيق مصالح النخب من الجانبين و التى غالبا تتمحور حول السلطة و الثروة و اوضاع للنخب من المجموعات و المركزمع عدم التركيز على حل الاشكال المهم المتعلق بالمستوى القاعدى حيث يكون احتياجها للاتى:
- الدعم الاقتصادى عبر انشاء و اقامة مشروعات تنموية و تجارية
- التعويض عن الاثار الناتجة من الحرب و معالجة اشكالات النازحين و اللاجئين و المشردين من الاطفال و العجزة
- الخدمات الاساسية (مياه- تعليم – صحة – بيئة ......)
- توفير فرص عمل
- بناء ما دمرته الحرب
- الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية
- حفظ الامن
- وضع قوانين و برامج لاعادة توزيع السلطة و الثروة بمساواة و عدالة
- وضع قوانين للتمييز الايجابى
نلاحظة ان هذه اللاحتياجات بعض منها نتيجة للحرب و اللاخر نتيجة لممارسة الظلم و عدم العدالة الممنهج تاريخيا و انيا حيث
يمكن للاتفاقيات التى تنتج من التفاوض ان تغطى كيفية المعالجة عبر بنود رئيسية تحتاج لبرامج لتنزيلها لارض الواقع ترتكز على بندين لا اكثر
الاول: معالجة الاسباب الجذرية التى احدثت
- عدم التوزيع العادل للسلطة و الثروة
- التمييز بكافة انواعه
- الهياكل و القوانين
- الظلم و المظالم بكافة انواعها
الثانى: و هو معالجة اثار البند الاول بجانب معالجة اثار الحرب و العنف
مقاربتى هذه تتحدث عن ان النخب من الجانبين فى بحثها عن الحلول فى غالب الامر لا تفكر و لا تركز بقصد او دون قصد فى الاسباب الجذرية للنزاع و الاحتياجات الفعلية للمجتمع القاعدى, بل يكون البحث عن كيفية الحصول على الثروة و السلطة و الحفاظ على المواقع و احيانا تتمترس النخب حول اثار النزاع, و هذا ما يؤدى الى تطويل امد الحرب و النزاع و المظالم و عدم العدالة و يؤدى للتدخلات الخارجية ذات الاجندة. و بذا يكون واحد من اسباب طول امد النزاع هو الانتهازية و المصالح الشخصية لكل من النخب و القيادات من السياسيين و العسكريين و التنفيذيين من الجانبين

Pin It

هَلْ أَتَى حَمْدُوكُ شَيْئَاً إِدَّا؟! (حول طلبه مساعدة الأمم المتَّحدة تحت الفصل السَّادس)

 

بقلم/ كمال الجزولي

يحيِّرني كثيراً أمر هؤلاء الذين ما أن يسمعوا بقرار لحمدوك أو أكرم، أو إجراء لأيٍّ من مؤسَّسات الحكومة الانتقاليَّة، حتَّى «يطفِّروا» من فوق الأسوار، شاهرين السَّكاكين المثلومة، والسِّيوف المكسَّورة! سبب حيرتي ليس عدم معرفتي دوافعهم، فأنا عليم بأن غاية مراد الثَّورة المضادَّة أن تعود بنا القهقرى! لكن ما يحيِّرني، حقيقة، هو إصرارهم على اتِّباع نفس الأسـاليب السَّـاذجة، المرَّة تلو المرَّة، دونما أدنى معلومة، أو أبسط معرفة!
خذ عندك، مثلاً، ردَّ فعلهم إزاء طلب حمدوك مساعدة الأمم المتَّحدة لبلادنا، تحت «الفصل السَّادس»، في دعم تحقيق السَّلام. فلو أنهم انتقدوا انفراده بالطلب دون مجلس الوزراء، لربَّما اكتسى نقدهم بعض الوجاهة. لكن أن يسدِّدوا هجومهم إلى محتوى الطلب نفسه، فهنا مربط الفرس، إذ المعلوم أن للسُّودان حقوقاً على المنظَّمة الدَّوليَّة، كعضو فيها، علماً بأنها تُعتبر، منذ إنشائها أواسط أربعينات القرن الماضي، وحتَّى إشعار آخر، أكبر معاول التَّعاون الدَّولي المعتمدة دوليَّاً، في ما يتَّصل بتجاوز الحروب والنِّزاعات، وتبنِّي الأمن والسَّلام، تأسيساً على ميثاق يمثِّل أهم آليَّاتها، ويعطي مجلس الأمن الدَّولي صلاحيَّة تحديد ما إن كان ثمَّة نزاع يعرِّض السِّلم والأمن الَّدوليَّين للخطر، ومن ثمَّ معالجة هذا النِّزاع بأحد فصلين متباينَي الوسائل، «السَّابع» للقوَّة، والإكراه، والعقوبات، من جهة، و«السَّادس» للدِّبلوماسيَّة، والتَّفاوض، والوساطة، والتَّوفيق، والتَّحكيم، والتَّسوية القضائيَّة، وغيرها من الوسائل السِّياسيَّة السِّلميَّة، من جهة أخرى. فما الغضاضة، إذن، في أن يطلب السُّودان، السَّاعي لتحقيق السَّلام، الاستعانة بوسائل «الفصل السَّادس»، رغم أن النَّجاح ليس، في كلِّ الأحوال، قرين آليَّة التَّدخُّل الدَّولي، ضربة لازب، بصرف النَّظر عن استخدامها تحت «الفصل السَّادس» أم «الفصل السَّابع»، كما وأن الأخير نفسه، بكلِّ عناصر القوَّة فيه، ليس ضمانة كافية لهذا النَّجاح، بدليل الإخفاق الذي ظلَّ يلازم بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور «يوناميد ـ UNAMID» منذ نشرها هناك، تحت «الفصل السَّابع»، في أواخر العام 2007م؟!
الإجابة واضحة؛ لكن ما يهمُّنا الآن، بشكل مباشر، هو ردُّ فعل عناصر الثَّورة المضادَّة المخالف للفهم المستقيم لمشروعيَّة طلب حمدوك، حيث انطلقوا يقيمون الدُّنيا ولا يقعدونها، ناعتين هذا الطلب، زوراً وبهتاناً، بالتَّفريط في «السَّيادة الوطنيَّة»! ورغم أن من شأن الحسَّ السَّليم اعتبار ذلك مكابرة مكشوفة، بالنَّظر إلى «صَبْر» نفس هذه العناصر على تدخل «يوناميد»، تحت «الفصل السَّابع»، الذي هو فصل التَّدخُّل المباشر في «السَّيادة»، طوال السَّنوات منذ 2007م، وإلى يوم النَّاس هذا، بل وإلى أكتوبر القادم، مثلما تكفي محض البداهة لاعتبار ردِّ الفعل هذا جهالة فاضحة بدلالات «الفصل السَّادس»، بل وبمفهوم «السَّيادة» نفسه، فإننا، مع ذلك، نرى ضرورة الاستفاضة شيئاً في تفنيد هذه الجَّهالة، وذلك من باب الحدب على الوعي العام غير المتخصِّص ألا يغمُض، بالنِّسبة له، مفهوم «السَّيادة»، في إطار القانون الدَّولي الحديث، كما ولا تغمُض، بالنِّسبة له، مكانة «الأمم المتَّحدة» إزاء العلاقات الدَّوليَّة المعاصرة.
في هذا الاتِّجاه، لا بد أن نستصحب، ابتداءً، كيف أفضت ممارسة الدَّولة لوظائف خارجيَّة، وبخاصَّة منذ القرن السَّابع عشر، إلى نشأة وتطوُّر القانون الدَّولى المعاصر، باعتباره جماع القواعد التى تحكم العلاقات الدَّوليَّة، وتستمدُّ محدِّداتها، في المقام الأوَّل، من مستوى التَّطوُّر التَّاريخي لظاهرة الدَّولة نفسها من عصر لآخر، ثمَّ من طبيعة الاقتصاد السِّياسي للعلاقات الدَّوليَّة في مختلف مراحلها. أهمُّ تلك المحدِّدات كرَّستها «معاهدة وستفاليا 1648م» في مفهوم «سيادة الدَّولة الوطنيَّة» على مجالها الدَّاخلي. فلئن كانت الدَّولة تمثِّل، فى أصلها، التَّمظهر السِّياسي لسلطة الطبقة السَّائدة اقتصاديَّاً، علاوة على كونها المنظَّمة الوحيدة للعنف المشروع، فإن تلك المعاهدة أرست، لنحو من ثلاثة قرون، قاعدة احتكار الدَّولة الحديثة للسُّلطة المطلقة بشأن تنظيم فيالق مسلحة لفرض النِّظام والطاعة على مواطنيها، داخليَّاً، وحماية وحدة واستقلال إقليمها، خارجيَّاً. وبالتالي فإن الدَّولة الحديثة ذات «السَّيادة» المطلقة اعتُبرت، تقليديَّاً، لدى هوجو جروشيوس وغيره من الآباء المؤسِّسين للقانون الدَّولي الكلاسيكي، بمثابة الشَّخصيَّة الأساسيَّة subject للقانون الدَّولي، مثلما اعتُبرت الاتِّفاقيَّات والمعاهدات التي تبرمها مع الدُّول الأخرى بمثابة المصدر الرَّئيس للقاعدة القانونيَّة الدَّوليَّة.
وفى إطار القانون الدَّولى الحديث، أيضاً، وباستثناء تدابير القوَّة والإكراه الواردة ضمن «الفصل السَّابع» من ميثاق الأمم المتَّحدة، تمنع المادَّة/27 تدخُّل المنظمة الدَّوليَّة في الشُّؤون الدَّاخليَّة لأيَّة دولة، كما تمنع المادَّة/24 الدُّول الأعضاء من استخدام، أو التَّهديد باستخدام القوَّة في علاقاتها الدَّوليَّة؛ وأكد على ذلك، أيضاً، «إعلان مبادئ القانون الدَّولى للعلاقات الودِّيَّة والتَّعاون بين الدُّول»، والذي اعتمدته الجَّمعيَّة العامَّة في 24 أكتوبر 1970م. ومن ثمَّ فليس هنالك ما يحول دون تقديم المساعدة في دعم السَّلام لإحدى الدُّول، لأسباب إنسانيَّة، سواء بطلب منها إلى الأمم المتَّحدة تحت «الفصل السَّادس»، أو إلى دولة أخرى، أو مجموعة دول، سواءً بطلب مماثل، أو بناء على معاهدة ثنائيَّة أو جماعيَّة.
في السِّياق تقدِّم سيراليون، على سبيل المثال، نموذجاً ساطعاً لجدوى مثل هذه المساعدات، من الأمم المتَّحدة، أو من دول أخرى، كبريطانيا في إطار الكومونولث، نحو إنهاء الحرب الأهليَّة الضَّارية، وتصفية مترتِّباتها، وتدشين مرحلة جديدة من السَّلام والتَّنمية. غير أننا يجب ألا نغفل أن سيراليون نفسها هي التي حشدت، ذاتيَّاً، عناصر الدُّخول في هذه المرحلة، قبل أن تطلب المساعدة. فحجر الزَّاوية في بناء مثل هذه المرحلة هو توفُّر الاستعداد الذَّاتي، والإرادة السِّياسيَّة، لدى الدَّولة المعنيَّة، أوَّلاً وأخيراً، أمَّا بدون ذلك فلن تكون ثمَّة جدوى من أيَّة مساعدة تتلقَّاها، لا من الأمم المتَّحدة، ولا من دولة أو مجموعة دول أخرى.
وإذن، فإن طلب المساعدة من الأمم المتَّحدة تحت «الفصل السَّادس»، أو طلب مساعدة أيَّة دولة، أو مجموعة دول، بموجب معاهدة ما، لا يتقاطع، البتَّة، مع مفهوم «السَّيادة»، بل إنه مِمَّا يندرج ضمن تطبيقات القواعد القانونيَّة الدَّوليَّة المُعزِّزة لـ «السَّيادة» بمفهومها التَّقليدي المطلق، إذ من المعلوم أن ثمَّة حالات تخِفِّف من ذلك الاطلاق، حتى في إطار جمود «وستفاليا» المفاهيمي القديم، ومن بينها «التَّنازل» عن «السَّيادة» بطلب إلى الأمم المتَّحدة، تحت «الفصل السَّادس»، أو بموجب أحكام معاهدة دوليَّة ما، ثنائيَّة كانت أم جماعيَّة، فيصبح من غير الجَّائز، قانوناً، سحب هذا «التَّنازل» بإرادة منفردة، علماً بأن ممارسة «التَّنازل» نفسها هي، ابتداءً، عمل من أعمال «السَّيادة». وتطبيقاً لهذه القاعدة «لا يجوز الادِّعاء بعدم مشروعيَّة التَّدخُّل الأجنبي إذا استند إلى نصِّ اتِّفاق، لأن الأمر، فى هذه الحالة، لا يكون من الاختصاص الدَّاخلي للدَّولة المعيَّنة، بل يُعدُّ أمراً خاضعاً للقانون الدَّولي .. ومن هذا المنطلق يكتسب التَّدخُّل الدَّولي لأسباب إنسانيَّة مشروعيَّته، حتَّى في الإطار التَّقليدي لمفهوم «السَّيادة»، على أساس أن احترام حقوق الانسان أصبح من الالتزامات الدَّوليَّة الرَّاسخة بموجب العهود والمواثيق الدَّوليَّة والإقليميَّة والقانون الدَّولي العُرفي، وبالتَّالي تكتسب هذه الالتزامات صفة القواعد الآمرة Jus Cogens التي لا يجوز التَّنصُّل من مراعاتها» (أنظر: فتح الرحمن عبد الله الشيخ؛ مشروعيَّة العقوبات الدَّوليَّة والتَّدخُّل الدَّولي، ط 1، مركز الدِّراسات السُّودانيَّة، القاهرة 1998م).
لقد تطوَّرت علاقات السِّياسة الدَّاخليَّة، خلال العقود الماضية، خصوصاً بعد انحسار الحرب الباردة، إلى آفاق أكثر ديموقراطيَّة وأنسنة، مِمَّا انعكس في سياق آخر لتطوُّر العلاقات الدَّوليَّة والقانون الدَّولي، وفتح هذه العلاقات والقواعد باتجاه رعاية مصالح الأفراد والشُّعوب، لا الدُّول وحدها، والاهتمام بتطبيقات القانون الدَّولي الإنساني، وحقوق الإنسان، والدِّيموقراطيَّة، والحكم الرَّاشد، ومحاربة الفساد، وإشاعة الشَّفافيَّة، وما إلى ذلك. هكذا أصبحت «السِّياسات الدُّنيا» في رأس أولويَّات المجتمع الدَّولى، شاملة قضايا الفقر، والتَّنمية، والبيئة، والإيدز، والهجرة، واللاجئين، وغسيل الأموال، وتجارة المخدِّرات، والإتجار بالبشر، وحقوق الإنسان، والتحوُّل الديموقراطي، وحكم القانون، ومعايير الشَّفافيَّة، وتحظى بنفس أهميَّة «السِّياسات العُليا»، كقضايا الحرب، والإرهاب، والتَّسلح (ص. فانوس؛ الوحدة، 17 ديسمبر 2005م).
واستطراداً، فقد كان لا بُدَّ لهذه التحوُّلات أن تنسحب، تدريجياً، على المفهوم التَّقليدي، الذى سيطر لنحو من ثلاثة قرون، بشأن «السَّيادة الوطنيَّة» في علاقة الدَّولة بمواطنيها، فأضحت هذه العلاقة تكفُّ، الآن، عن أن تكون شأناً داخليَّاً، في ذات اللحظة التي يتسبَّب فيها سلوك هذه الدَّولة نحو هؤلاء المواطنين فى كوارث إنسانيَّة، خصوصاً إذا امتدَّت آثارها إلى دول أخرى. لذلك كان لا بُدَّ أن يتراجع مفهوم «السَّيادة» التَّقليدي لصالح التَّدخُّل الدَّولي لأسباب إنسانيَّة، كالانتهاكات الفظَّة لحقوق الإنسان، والجَّرائم ضدَّ الإنسانيَّة، مثلاً، في مجتمع دولي تشبَّع بعالميَّة مبادئ حقوق الإنسان، والدِّيموقراطيَّة بمعاييرها الدَّوليَّة، مِمَّا يرتِّب على الدَّولة التزامات ينبغي أن تراعيها تجاه مواطنيها، فإنْ أخفقت فى ذلك، تعيَّن على المجتمع الدَّولي أن يتدخَّل لإجبارها على مراعاتها.
الشَّاهد أنه، لئن كان القانون الدَّولي ما يزال، بل يجب، أن يقرُّ للدَّولة بـ «سيادتها»، خارجيَّاً، على إقليمها، بمعنى صونها لاستقلالها، وسلامة أراضيها، وحمايتها لوحدتها، فإن هذا المفهوم لم يعُد، داخليَّاً، هو نفسه مفهوم «وستفاليا» القديم، إذ لم تعُد الدَّولة تملك، كما فى السَّابق، حقَّ التَّصرُّف المطلق في مصائر، وحريَّات، وحقوق مواطنيها، بل انفتح المفهوم ليشمل، بالمقابل، «سيادة» هؤلاء على هذه القيم، بدعم ومؤازرة دوليَّة، رسميَّة ومدنيَّة، وباستخدام آليات الاعتماد المتبادل. هكذا أصبح من المتعيِّن على الدَّولة الحديثة، لكي تضمن حماية «سيادتها الوطنيَّة»، أن توازن بين حقوقها هي في صون استقلالها، ووحدتها، وسلامة أراضيها، وبين حقوق مواطنيها. وقد عبَّر د. بطرس بطرس غالي، السِّكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة، عن ذلك بقوله إنه، برغم أن حجر الزَّاوية في القانون الدَّولي ما يزال هو «الدَّولة» ذات «السَّيادة»، إلا أن زمان «السَّيادة» المطلقة قد ولى، مِمَّا يحتِّم على قادة الدُّول تفهُّم ذلك، والسَّعي لإيجاد التَّوازن المطلوب بين ضرورات الحكم الرَّاشد، ومتطلبات عالم يُعزِّز الاعتماد المتبادل. كما قال، أيضاً، في كلمته الافتتاحيَّة أمام المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا عام 1993م: «إن المجتمع الدَّولى يوكل إلى (الدَّولة) مهمَّة حماية (الأفراد)، لكن يتوجَّب عليه أن يحل محلها إذا فشلت في هذا» (فتح الرحمن الشيخ؛ مشروعيَّة العقوبات الدَّوليَّة والتَّدخُّل الدَّولي).
مع ذلك ينبغي، في الختام، ألا تكون لدينا أيَّة أوهام حول احتمال أن تتيح اختلالات ميزان القَّوة الدَّولى الرَّاهن ثغرات تُستخدم عبرها دلالة مفهوم «السَّيادة» المتطوِّر هذا لتحقيق أجندات خاصَّة بقوى الهيمنة الدَّوليَّة، فيدفعنا ذلك لمعارضة التَّطوُّر الذي لحق بالعلاقات الدَّوليَّة، وبالقانون الدَّولي، ومن ثمَّ بمفهوم «السَّيادة»! إن هذا ليس أقلَّ شبهاً، في الوقت الرَّاهن، من إلغاء ركوب الطَّائرات بسبب احتمالات سقوطها، أو الامتناع عن استخدام السَّيَّارات بالنظر لاحتمالات وقوع حوادث السَّير! ولذا نتَّفق مع د. صفوت فانوس، أستاذ العلوم السِّياسيَّة بجامعة الخرطوم، في مقالته المار ذكرها، حول أن «هذا لا يغيِّر من الواقع الدَّولي الرَّاهن الذي أصبح يتعامل مع قضايا حقوق الإنسان باعتبارها الهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى الدُّول للارتقاء إليه، وإلا وجدت نفسها في عداء مع المجتمع الدَّولي، حيث لن تشفع لها مقولة حقها فى السَّيادة الوطنيَّة».

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع