ابحث عن

آخر الأسبوع ـ عشان بلدنا

نيازي أبو علي

ما زالت أذني غارقة في بيانو وايقاع الأوبريت الضخم (عشان بلدنا) الذي صاغ كلماته باحترافية كبيرة الشاعر الشاب أحمد البلال بمشاركة عدد من النجوم من المبدعين الشباب، وذاكرتي غارقة ذهاباً وإياباً بدندنة القالب اللحني للنص الذي تركني أسرح وأمرح بعيداً بمخيلتي بقصيدة (منقو قل لا عاش من يفصلنا) كلمات الأستاذ عبد اللطيف عبد الرحمن، فالتشابه بينهما ياتي في شكل خيال تلاقح أبناء السودان وتجسيدهم روح المحبة والسلام من خلال دور الفنون والأداء للأوبريت الذي جمع فنانين من الشرق والغرب والشمال بإيقاعات راقصة وخفيفة، فكم تمنيت أن يشاركهم فنان من جنوب السودان الحبيب رغم التباعد السياسي، ولكن يبقى جنوبنا الحبيب في قلوبنا.

ذلك العمل الضخم الذي وضع بين أيدينا بلدنا في لوحة زاهية لم يتسع الجزء الأول والثاني لرسمها بريشة مبدعين جملوها شكلاً ومضموناً، فخرجت للمستمع رغم قصر التجربة كالبستان النضر تضيئه الفلاشات الطبيعية للفراشات ورحيق الأزهار وعسل التنقل البديع الذي شاهدته في وجوه الفنانين الشباب الذين أجادوا سقيا ذاك البستان بأحرف من نور وبهاء تم اختيارها بعناية فائقة بعنوان (عشان بلدنا).  

قصدت كتابة هذه المقدمة، حينما قرأت خبر إعلان الفنان سيف الجامعة انسحابه من مجلس إدارة اتحاد المهن الموسيقية مفسحاً المجال لمشاركة الفنان الشاب الفتى الأبنوسي الطموح شكر الله عز الدين ليكون ضمن أعضاء اتحاد الفنانين، وذلك بعد أن تساويا في الأصوات من خلال الجمعية العمومية الأخيرة.

ووفقاً لذلك التساوي، كان لابد من إجراء جلسة انتخاب خاصة بهما لدخول أحدهما المجلس، فكانت المفاجأة أن الفنان الكبير سيف الجامعة حسم الموضوع في الاجتماع الأول للمجلس الحديث، مؤكداً انحيازه الكبير للفنانين الشباب ورأيه الواضح بضرورة  وجود شكر الله ضمن التشكيلة الجديدة، ولم يكن تنازل الفنان سيف الجامعة لشكر الله أتى من فراغ دون أدنى  شك، غير أن سيرته العطرة وطموحه الكبير وعمله بشدة في جمع كيان الفنانين الذي بدأه بــ (عشان بلدنا) وراء تلك الثقة المستحقة التي أفسحت له المجال للعمل مع الكبار،  إذ لابد أن يكون خلف هذا الإنحياز الواضح (للشكر) مفاجآت كثيرة ننتظرها مع الأيام من "الكازنوفا" اللقب الذي وصفه به جمهوره.

وجاء تشكيل المجلس: عبد القادر سالم رئيساً، نجم الدين الفاضل نائباً للرئيس، وليد الجاك أمين عام المجلس، التاج عبد الله أمين المال، عمر إحساس رئيس القطاع الثقافي، سيد عوض شؤون العضوية، دفع الله بشير مديراً للدار، محمد سيف مديراً للشوؤن الفنية، وأخيراً الفارس الفنان شكر الله عز الدين رئيساً للشؤون الاجتماعية، وأقول إن شكر الله نال شرف الجلوس على هذا الكرسي سفيراً للشوؤن الاجتماعية منذ ضربة بداية المشروع الضخم أوبريت عشان بلدنا الذي بدأ منذ العام 2016م، وكان ذلك مراناً ساخناً له لينال الثقة الحالية رئيساً للشوؤن الاجتماعية بالاتحاد.

ويلا أعملوا كلكم (عشان بلدنا)!

Pin It

لست من الّذين يتعاطون السّياسة إلّا لماما

بقلم - بخيت عبيد عبدالمولي

لست من الّذين يتعاطون السّياسة إلّا لماما. و ليت من الّذين يكتبون في الأسافير يشتمون هذا و يمدحون ذاك. و لكن أبكتني  هذه القصيدة المدحة. أقولها صادقاّ (ذرفت الدّمع سخيناً) علي  الوطن الّذي ضاع منّا. علي ديننا الّذي أخذ يتسرّب من بين وعينا و جهلنا . علي المستقبل الّذي انزلق في نفقٍ مظلمٍ ليس يُري منه كُوّة ضوء. بكيت علي الجياع الّذين يقفون في صف الخبز و قد يعودون إلي البيت بلا رغيفة خبز. بكيت علي صغارنا و هم يتوجّهون إلي المدارس بغير ( فكّة ريق). بكيت علي هذا البلد الّذي اندلق متدحرجاً في ظلمة المجهول. بكيت علي إنسان هذا البلد الشّاسع الّذي ضاع منّا قيمةّ و خُلُقاً و ديناً. بكيت علينا و نحن تتفلّت من بين أيدينا مُثُلُنا و قيمنا و إنسانيتنا و شخصيتنا. بكيت علي هذا الوطن الّذي تقاذفته الأهواء عقديّةًّ كانت أم سياسيّة أم فئويّة أم جهويّة . بكيت علي هذا الوطن و قد تخطّفه الّلصوص' لصوص السّياسة و الدّين و المطامع الدُّنيويّة. بكيت عليه وقد باعه تُجّار العهر السياسي و الفكر المضمحل لكلّ من هبّ و دب لقاء حفنةٍ من الدُّولارات أو الرّيالات أو الدّنانير . بكيتك كثيراً يا أيّها الوطن الجريح النّازف.  اللّه المُرتجي و عليه التّكلان. أنا لستُ مع أحد. و لستُ ضدّ أحد و لكنّي مع الحق لاسترداد هذا الوطن السّليب الّذي ماعاد يشبهنا و ما عُدنا نشبهُه. من غيرنا من بعد اللّه ينتشل هذا الوطن الصّريع من هذه الوهدة الّتي تردّي فيها. من غيرنا من بعد اللّه ينفخ فيه الرُّوح حتّي يقوم قويّاً فتيّاً نقيّاً ممتلئاً بالقوّة و العُنفوان. هل نحن صغارٌ إلي هذا الحد حتّي نري الوطن يموت و نحن نتفرّج عليه بل و نموت معه دون أن نسنده يداً بيد و كتفاّ بكتف حتّي ينتصب علي طوله? هل نحن ضعافٌ حدّ السُّقوط دون أن نحاول النُّهوض لينهض بنا ومعنا هذا الوطن? هل نحن بهذا الخور و اللّامبالاة حتّي يموت الوطن و نحن نتفرّج عليه دون أن نهُشّ عليه بعصا الإنتماء و الإرتباط بهذا التُّراب و لا تزال فينا قطرة من وطنية أو ذرّةُ من إنسانيّة. من ظنّ أنّي أحرّض فئةً ما عقديّةً أو سياسيّة لاختطاف هذا الوطن فهو مخطئ. من ظنّ أنّي مع فئةٍ ضدّ أخري فهو مخطئ. من ظنّ أنّي أدعو فئةً ما لأن تتصدّي وحدها لإصلاح هذا الحال ( المايل) فهو مخطئ. كثيرون منكم يعرفون ديدني في الحياة. فأنا لا أنتمي لأي فئة . فاللّه ربّي. و الإسلام ديني . ومحمّدٌ صلّي اللّه عليه و سلّم رسولي. و السودان وطني. أعطاني كما أعطانا جميعاً هذا التّراب الغالي الّذي عليه عشنا. أعطانا هويّتنا الوطنيّة من بعد الإسلام. علي أرضه كبرنا و تعلّمنا و صار لزاماً علينا أن نعطيه كما أعطانا. نعطيه من دمنا و مالنا و فكرنا و إخلاصنا و علمنا و إبداعنا و فوق كلّ هذا و ذاك ولاءنا و انتماءنا حتّي ينهض وننهض. أنا لا أوجّه اللّوم إلي فئةٍ بعينها في تردّي الحال بهذا البلد. فهذا البلد - له اللّه - وُلد هكذا مظلوماً. و تداعت عليه المظلُمات و الظُّلُمات جيلاً بعد جيل. و إن كان من عيبٍ فالعيب فينا نحن أبناء هذا الوطن. تعالوا جميعاً نضع جانباً أحزابنا و قبائلنا و مجموعاتنا المسلّحة و نطرح عنّا ثياب المصلح الفرديّة و المصالح الضّيّقة و نضع أيدينا علي أيدي بعض: هذا بفكره. و هذا بماله. و هذا بجهده البدني و ليكن أمامنا هذا الشّعار ( ربُّنا اللّه و وطننا السّودان). تعالوا  نُوحّد الرُؤي و ننظر فيما يفيد البلد لنعيد لهذا السُّودان رونقه و جماله و حلاوته وعنفوانه ومكانه بين الأمم. دمتم. بخيت عبيد.

Pin It

كَيْفَ يَكُونُ للعُنكولِيْبِ مَذاقُ الغِيَابِ المُرِّ، يا حَوْرَاءُ؟ (في رثاء أخي الإنسان محمد يوسف عثمان) 

بقلم: د. حسن محمد دوكه، طوكيو – اليابان.

(نشر هذا النص في ذكرى الاربعين، ونعيده في الذكرى الاولى لرحيله يوم 4 اكتوبر 2019م)

"... يَا أَبنوسَ الخَريْفِ الجَنُوبي، كيفَ يَكُونُ جَلالُ الشّهادةِ، إنْ لم تَكُن أنتَ؟
تُوْلدُ في الموتِ، تَكْبُرُ في الموتِ، تَطْلُعُ حَقْلَ نُجُومٍ على حائطِ الموتِ، تُصبحُ أوسمةً من بُرُوقٍ، وعَاصِفةً من غِناءٍ، وغاباً عَظيماً من الرَّقْصِ، أذْهَلْتَني في نِضالِك! ..."
(الشاعر الكوني: محمد مفتاح الفيتوري)

(1)
مثلما تتجمع حُبيباتُ العرقِ على جبينك يا بن يوسفَ وأنت تسعى بين الناس بشهدِ الفكرِ، وعسلِ الثقافة، وحلاوة الحديث، والآسر من التواصل الإنساني الحميم، والمدهش من المُلَحِ، والدَّفاقِ من الأفكار المتتابعة قطرةً فقطرة، وحَبَّة تلو أخرى، على مسبحة نبعكَ الضَّاجِ بحيوات الأولين، والمعاصرين، والمحدثين، والقادمين الذين تَتَقدَّمهم/هُنَّ "حوراؤك" الجميلة متْناً وحواشي، تتجمع، متكوَّمةً، نازَّةً قطرةً فقطرة على حصير الراهن من حالنا الضَّاج بلحظاته الحيوية المفارقة، عُنكوليباتُ لُطفكَ، أيها الكائن اللَّيلي العجيب!
لست أدري، أفي حلمٍ أنا، أم أنَّها الحقيقة كاملةً في انبلاج كنهها المدثر بالموتِ في فُجاءته التي تنتقي "منتاشةً" اجملنا، وألطفنا، والأروع أينما حلَّ مصطحباً صخب الحياة، وفاعلية الإنسان آن يرهنُ عمره خدمةً للآخرين الذين هم الأولى منه بكل ثمين.
أعام كامل بتمامه يمر على رحيلكَ أيها الحبيب يمرُّ كما نمرُّ ، وأنتَ ترحلُ. إنَّها الحقيقة يا بن يوسف المُحمَّد. حقيقة الانتقال روحاً إلى السلام وداره. حقيقة أنك لن تعود جسداً، بل تسكن تفاصيلنا لتبقى. حقيقة أنَّ حَوْرَاء (سِت أبوها) تسأل عن كيف استطعت التَّسلُّلَ "بغتةً" دون إشارةٍ مِنكَ، أو تلميحة في آفاق الإشارات التي تلفكما روحاً بروح، وحجلاً برجل. حقيقة أننا بتنا نراجع يوميا طعم الحياة وفلسفات الرحيل، وعظات الممات، فنصل مائلين إلى عالمك حيث الذين نُحيهم رحلوا ساكنين. حقيقة أن يُصاب المرء بداء التساؤلات العُضال. حقيقة أن أكون منغمساً في قراءتي – التي تُحبُّ وتشتهيكَ- أحاور نصَّا، أراكَ منسرباً خارجاً منهُ، مستغرقا فيه تحتفي بالماوراء، والمغيَّب، والمسكوت عنه، تُنقِّبُ في مضامينه، وثيماته،وبنائه، وايحاءاته التاويلية التي تلتقطها، وتتلبسة - مندرعة فيك، تبحث عن فكاك لتستنطقها- ، متنا، وحاشية، لتنثرَ علينا مدهشات تتلبس نصوصاً مولَّدةً أخرى، ومُولِّدةً للمداخلات، والتَّسْآل عن العميق من المعاني، موازيةً، بل ومُتجَاوِزةً تتخلَّلها تعليقاتك، ومداخلاتك كاملة النُّضجِ،متفرِّدة الإهاب الكلامي، تلكم الصدقات الجاريات المثيرة في لذَّتها ونفعها. حقيقة أن الناس (نحنُ) في زحام الحياة ومدافساتها تعافِر، تلكم المُعافراتِ حتى يستوقفها "هُنيهةً" رحيلك، رحيل الرحيل الذي يستوقفها واهباً إيَّاها عميق التَّأمل في مفردات الغياب، وميكانيزمات التغيير التي هي وحدها -كالموت- لا تتغير، وكل شيء إلى زوال. حقيقة أنَّ الموتَ حقٌّ، والحياة باطلة، والمرء لا يعيشُ ومهما عاشَ، إلاَّ ليموت، أو كما قال الشاعر الكوني الفيتوري.

(2)
كُل صرخةٍ، مصبُّ نهرها السُكوت. وأروعُ النُّجومِ، ها تلكَ التي تُضيء درب القافلة. وقد كنتَ فينا – أيها الكائن الليلي المُفَارق – أروع النجوم التي أضاءتْ وتُضيئُ عتمات ليلِ الطريق الحياتي المُحايثُ بين ما يجبُ ولا يجبُ. 
يأتي مَولدُ الرسول الكريم -عليه افضل الصلاة والتسليم- هذا العام، و تسأل عنك الفعاليات ضاربة التقليد، مترعة الحبِّ الكبير، وطبول نُوْبَات جُمْعَاتِ الشيخ (حمد النيل) قد حقَبتْ إيقاعاتها بعيداً، بعيداً ، بُقَجاً، بُقَجا، طاراً، طاراً، نَغَماً نَغما. لقَدْ دَرْوَشَها الغيابُ المُرُّ حبيبنا، ترتقي "مُتساميةً" دَرجاتِ الاتِّباعِ والوصول الى ذرى التفاقمات الروحية على طريق أهل القَومِ، وهي تقتفي آثار رحيلك يا بن يوسف. ليالي امدر تسربلت بشفيف الحزنِ وأثقله. وصائدو الأسحارِ فيها اِنْبَهَمَ السبيل أمامهم، فتنادوا ينسجون حكايات الرحيل شباكاً لاصطياد المعالي واسرارها الغوالي،اللواتي يجِنُّ لَيلُ ليلى بهِنَّ، لَهُنَّ، متَأَوِّهاً تراهُ، و قدْ أَنَّ يَئِنُّ أنيناً صادفَ مطابقاً شَنُّه الطَبقَ!!!. أما الصحاب فأمرهم تفضحه محاولات التَّماسك "تلاهياً" بالكلمات مُجنَّحة المآلات، كموجةِ فَقْدٍ تسونامية الحزن العَتِيِّ تتكسَّر على سواحلِ اليومي من الحياة في شكل ضَحْكة!. إِنه الصمتُ يا صديقي، صمت ينضح بالكلام، إنه الحزن حبيبنا، حزن يضج بالسلام، إنه السلام كبيرنا، سلامٌ الخارج والاهاب، وبالنفس عصيُّ الكلام. إنه الكلام، يا محمد، كلامٌ يهاب صمتكَ يا بن يوسف الحبيب.

(3) 
عَشبُ الكلمات الأخضر، زادٌ في الجدبِ، وعَلُوق في الغربة والمنافي ذات التربة الصخرية الغبراء. والزاد كلوروفيل الأنفس حين يضربها جفاف أرضٍ خصبةٍ تتصحَّر ، تعوز الماء. والماء ذرَّتا هايدروجين العشق والحب الالهي السخي، وذرَّة واحدة من أوكسجين الهمة والتسامي الحنين. والحنين كروموزوم حياتنا الآنية مثقلة المحطات الجينية وهي تضمُّ DNA تفاصيلنا المترعة حظوظَ نفسٍ، وفضاءات روحٍ، وتمام عقلٍ، وكماليات ما يُنتج. جاء الحديث عابراً، نتجاذبُ أطرافه على بساط منتدانا (منتدى سيدة الثقافي) مُعلِّقينَ ومتداخلينَ نتناول مقطعاً لحديثٍ ثوريٍّ مُنظَّمٍ وجذابٍ عظيم، بثَّته واحدة من ناشطات المنافي الاسترالية، تصف الحالَ، وترسم خطوات ما يُرجى تحقيقه، ويبتغى الوصول إليه، وديسمبرُ (الثورة) مازال يُعافر "مجابدا" في الظَّفر بالغايات. ومن خلال عرضها ، امتدت خيوط الاعجاب والْتفَّت حولنا وما نصدر من كلام. فانداح ابنُ يوسف الحبيب ،كعادتِه، ينتاشُ الثَّمين من المفردات بتنغيمها الآسر، وتخيَّرها الأنقى والأندر والأمضى، كانت كلمات من ذوات الطاقات الولودة والولاَّدة والمُولِّدة غمامات من الإدهاش، فأسمينا البنيةَ الناشطة (تشومسكي) نظراً لاستشهادها ببعض إفادات العالم الأمريكي اللغوي المثقف والسياسي المفكر. هذا الكائن الليلي العجيب (ابن يوسف الحبيب) ينهمرُ متدفقاً مع سيل حديثه المهم عن نعوم تشومسكي ،ولكأنني اراه درويشا يهتز فيتساقط الكلم، لكأنه من مواليد القيقر، أو أنهما درسا ما قبل الجامعة والجامعة، وعملا في الصحف والإذاعة كحالي معه! ، يحدِّثك ابن يوسف، وفي حديثه عنفوان المعرفة وجِدَّتها، ولطافة الفكرة وعرضها السلس الجذاب. هو كائن مُفارق، متفردٌ في طاقته الحياتية الحيوية التي تنسرب "مندغمةً" في حامضك النَّووي المُوْكَل إليه تزويدك بعشب الكلمات الأخضر. وكأنكَ يا بن يُوسف الموكل بتزويدنا عشب الحياة الأنضر، والأخضر، ليل نهار. وها أنت اليوم تدخل عامك الاول من الرحيل، وما زالت حوراء تنسجُ أسئلةً أخرى عن معنى الانسراب "خِلسةً" دون وداع. ونحنُ حَواريُّو حوراء، نشهدُ لكَ بالنَّقاءِ والحياءِ والانسان الذي أسكنكَ الأفئدة. وما علينا سوى العمل و الدعاء، ولكَ ما تُحبُّ من الجنان.

Pin It

تأثير اليهود في أمريكا والعالم ..والسودان ليس استثناء! منطق الأرقام والمال .. بعيداً عن الشعارات الجوفاء

 


ابوهريرة عبدالرحمن أحمد  - كاتب ومدافع حقوقي

(1)

التداخل الأمريكي الإسرائيلي ومدى تأثير اليهود على القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم حقائق تؤكدها لغة الأرقام والمال؛ نجد أن جملة تعداد اليهود في العالم يبلغ (15) مليون نسمة؛ أما في داخل أمريكا يبلغ عددهم (6) مليون نسمة أي أقل من 3% من جملة سكان أمريكا؛ في دراسة حول ثروة اليهود داخل أمريكا في (2016-2017) أن ثروة الأغنياء في الولايات المتحدة تقدر ب (84) تريليون دولار، علماً بأن التريليون الواحد يعادل ألف مليار دولار، وأن عدد (3) مليون يهودي من أصل (6) مليون يهودي أمريكي يملكوا 75% من الثروة الأمريكية حسب تقدير مصرف (كريديت سويس)؛ وأن 60% من اليهود يمتلكون شهادات عليا. فيما أظهر تقرير على موقع (فورد) بأن (الشبكة الخيرية اليهودية الأمريكية) وحدها تتبرع للطلبة واليهود الإسرائيليين ب(25) مليار دولار سنويا، وذكر تقرير (بيلزريان ريبورت) بأن 80% من كبار المدراء وأصحاب المناصب الكبرى في الولايات المتحدة هم يهود أو متزوجين من يهود، وأن أكثر من 60% من اليهود داخل الولايات المتحدة يسيطرون بالكامل على أركان الاستثمار في عالم التكنولوجيا والتقنيات والبنى التحتية ويتحكمون بنسبة 90% على إدارة الإنترنت ومحتوياتها في كل المنصات التكنولوجية مثل الفيسبوك، قوقل، واتساب، تويتر، واليوتيوب. فضلاً عن سيطرتهم على الشركات الكبرى للصناعات العسكرية والأمنية وشركات للغاز والطاقة وصناديق التأمينات والمعاشات وصناعة الطيران وصناعة الأدوية والصحافة والسينما والأزياء ومراكز البحوث، وأن 70% من مدراء البنوك في أمريكا هم يهود، كما أن اليهود يسيطرون على (وول ستريت) التي تستحوذ وحدها على (19) تريليون دولار، وأن الشباب اليهود من أكثر الشباب في العالم يتبوأ مرتبة المليونيرات، ففي العام 2017 أكثر من 54 ألف شاب يهودي أعمارهم تقل عن 40 سنة دخلوا نادي المليونيرات بتحقيق ثروات طائلة. ففي العام 2017 تم حساب ثروة (3) مليون يهودي فقط من أثرياء أمريكا و أوروبا وكندا وروسيا يملكون (6) تريليون دولار وهي تعادل إجمالي مداخيل الوطن العربي بأكمله، أما ثروة اليهود في العالم والبالغ عددهم (15) مليون نسمة تعادل ثروة (152) دولة في العالم حسب مجلة (فورست) لتصنيف ثروة الأفراد والشركات؛ يكفي النظر إلى منصب رئيس البنك المركزي الأمريكي (الإتحاد الفيدرالي) المتحكم في تحركات السوق المالي في العالم يرأسه يهودي أمريكي، لذلك التأثير اليهودي في العالم ليس مجرد عواطف أو شعارات أو هتافات فارغة هو قائم على منطق الأرقام والمال والاقتصاد فقط! كل هذا النفوذ الاقتصادي الذي يتمتع به اليهود حول العالم يجعل قوتهم تتمدد في العلن وفي الخفاء في مفاصل الاقتصاد العالمي، لذلك لديهم القدرة في التأثير على القرار الأمريكي وعلى العالم بأثره والسودان ليس استثناء.

(2)
ما الذي أدخل السودان قوائم الإرهاب؟
يعود السبب إلى دعم السودان لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحزب الله بالمال والسلاح والإيواء وجعل البلاد مركز عالمي لانطلاق الهجمات الإرهابية التي تهدد وجود الدولة الإسرائيلية، الأمر الذي تعامل معه اليهود بشكل جاد كمهدد مباشر لدولتهم؛ وبتنسيق محكم من (الإيباك) اللوبي الإسرائيلي صنفت الولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون السودان دولة راعية للإرهاب، كان هذا في (12 أغسطس 1991) حيث ورد النص التالي كسبب بوضوح في ديباجة القرار: ((تقديم السودان الدعم لمنظمات إرهابية))، ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد إذ تزامن دعم السودان لحماس مع تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في (1993) ثم تأتي تباعا الأسباب الأخرى مثل المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا في العام (1995)، وكذلك احتضان السودان لأسامة بن لادن المعادي للمصالح الأمريكية في العام (1996)، ثم بعدها توالت الأوامر التنفيذية الامريكية ضد السودان، ففي أبريل (2006) أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش أمراً تنفيذياً وسع بموجبه العقوبات ضد السودان ليشمل حظر الأفراد الذين تثبت مساهمتهم في نزاع دارفور وحجز أملاكهم، وفي العهد نفسه صدر أمرا تنفيذيا آخر في (سبتمبر 2006) قضى باستمرار حجز أموال الحكومة السودانية وكل المعاملات التي قد يقوم بها أي مواطن أميركي مع الخرطوم التي تتعلق بصناعة النفط والبتروكيماويات. ثم أتبع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في (13 نوفمبر 1997) أمراً تنفيذياُ طبق بموجبه عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان بسبب دعمه للإرهاب الدولي، بعد ذلك جاءت تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في (7 أغسطس 1998) والذي تبناه أسامة بن لادن الأمر الذي قاد الطيران الأميركي إلي ضرب مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم في 20 أغسطس 1998 حيث ذكرت أمريكا بأن المصنع تعود ملكيته إلى أسامة بن لادن ويستخدم في الصناعات الكيمائية، ليعقب ذلك هجمات 11 سبتمبر 2001 التي قادها تنظيم القاعدة.


(3)
إسرائيل دولة قابلة للبقاء
تحظى إسرائيل باعتراف (161) دولة من جملة دول العالم الأعضاء بالأمم المتحدة البالغ عددهم (193) دولة، أما الدول التي لا تعترف بإسرائيل هي (31) دولة من الدول غير المؤثرة في العالم لضعف قدراتها الاقتصادية والمالية مثل الصومال والسودان وجزر القمر..الخ، وليس لهم في مناهضة الوجود إسرائيل إلا عواطف وشعارات جوفاء! أما بشأن فلسطين لا توجد دولة في الأمم المتحدة تسمى فلسطين، فقط توجد ما تعرف بالسلطة الفلسطينية كممثلة لهيئة تحرير فلسطين حيث يتواجدون في رام الله ولديهم علاقات تعامل وتبادل تجاري مع إسرائيل بلغ حجمه (3) مليار دولار وهم يتعاملون مع إسرائيل بلغة الأرقام والمصالح. لذلك لا توجد دولة في العالم تستطيع إزالة إسرائيل من الأرض إلا الله الذي خلقهم! إسرائيل تحت حماية أمريكا وأوروبا وروسيا والصين، روسيا فيها مليون يهودي يملكون نصف ثروتها أما اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل في روسيا تأثيره يفوق تأثير اللوبي اليهودي بأمريكا قوة، وحتى الصين وشركاتها هي التي بنت السور الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل.

(4)
النفوذ الإسرائيلي

منظمة (الإيباك AIPAC) التي تعني لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية هي إحدى المنظمات اليهودية الفاعلة تأسست في العام (1953) داخل الولايات المتحدة الأمريكية هذا اللوبي وحده يخرج في العام الواحد 100 تشريع لمصلحة إسرائيل، إلى جانب لوبيهات أخرى فاعلة مثل (المؤتمر اليهودي الأمريكي) و(منتدى السياسة الإسرائيلي) و(اللجنة الأمريكية اليهودية) و(الأصدقاء الأمريكيون للكود)، بل إن (51) منظمة من كبرى المنظمات وأهمها تجتمع فى إطار (مؤتمر الرؤساء)،هي منظمات ضاغطة تعمل لمصلحة إسرائيل وهي اللوبيات الأكثر تأثيرا على الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكذلك على مجلسي الشيوخ والنواب ويقومون باتخاذ إجراءات إضافية على الدول والمجموعات المعادية لإسرائيل.

(5)
ما الذي يريده السودان من التطبيع الأمريكي الإسرائيلي؟

العالم محكوم بالمال والاقتصاد وفي السياسة الدولية ليس هناك صديق أو عدو دائم، إنما المصالح هي الدائمة، والطبيعي أن أي دولة تعمل مصلحتها الإستراتيجية أولا وأخيراً، وليس مصلحة دولة أخرى على حساب مصلحتها الخاصة، المهم في الأمر هو عودة السودان للتعاطي مع دول المحيط الإقليمي والدولي ؛ وعلى السودان أن يحدد بدقة ما الذي يريده من العالم؟
بموجب ما تم سيتمكن السودان من إعفاء الديون الأمريكية عليه والبالغة 3 مليار دولار، كما يمكن للسودان من توقيع إتفاقيات دفاع وأمن وتعاون مشترك مع أمريكا على ساحل البحر الأحمر للإستفادة من موقعه الإستراتيجي، وكذلك يمكن للمفاوض السوداني تقديم دراسة جدوى تمكنه من إنشاء أكبر ميناء في أفريقيا يكون منفذ ومعبر للقارة الأفريقية بحيث يربط السودان بكل من جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وأوغندا مع إقامة خطوط سكك حديد بسواعد سودانية أمريكية لنقل البضائع وتصدير الإنتاج في إطار المصالح الاقتصادية المشتركة.
لا أخفى أمنيتي تضمين في صلب الاتفاق بأن لا تعترف أمريكا بأي انقلاب عسكري وبتأكيد مدنية الحكم كشرط ثابت من أجل توطيد ركائز الديمقراطية في البلاد وقطعاً لأي انقلابات عسكرية! كل هذه الاتفاقيات المقترحة أتمنى أن يصادق عليها بواسطة الكونغرس والبرلمان السوداني حتى تكون أكثر الزام بدلا من أن تكون بقرار تنفيذ قد يتغير بتغير الرؤساء حتى تستفيد منه بلادنا فائدة قصوى واستراتيجية؛ امريكا واسرائيل كلاهما بلاد فيها صوت عالي لدافع الضرائب يستحسن للمفاوض الحكومي تضمين مشاريع مفصلة بأرقام وجدوى واضحة لطرفي المعادلة بدلا عن تقديم طلبات لتمويل (سيولة نقدية) فقط؛ التمويل من أمريكا وإسرائيل يأتي من دافع الضرائب وهو معنيي جدا بأهمية تفسير صرف أمواله!

 

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

23 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع